74-
أَقُولُ لِحُرٍ وَالْمُرُوءةُ مَرْؤُهَا ... لِإخْوَتِهِ الْمِرْآةُ ذُو النُّورِ مِكْحَلا
شرع في ذكر وصايا وآداب ومواعظ والحر أراد به من تقدم شرحه في قوله هو الحر والمقول يأتي في البيت الثاني.
واعترض بباقي البيت بين القول والمقول إرادة أن ينبه على سبب النصيحة فنظم ما جاء في الحديث عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن مرآة المؤمن". أخرجه أبو داود.
أي أنه له بمنزلة المرآة تريه عيوبه فيصلحها، والمروءة: كمال الرجولية وهي مشتقة من لفظ المرء كالإنسانية من لفظ الإنسان والمرء والإنسان مترادفان فهي عبارة عن صفات الإنسان الشريفة التي يتميز بها عن غيره من الحيوانات، وقوله: والمروءة مبتدأ أول ومرؤها مبتدأ ثانٍ، ومعناه رجلها الذي قامت به المروءة والمرآة خبر مرؤها والجملة خبر المروءة، ولإخوته متعلق بمضاف محذوف تقديره نفع مرئها لإخوته كنفع المرآة لهم، وذو النور صفة مرؤها أو خبر بعد خبر أو صفة للمرآة على تقدير التذكير فيها كما قالوا: ليلة غم؛ لأن معناها الشيء المنور ومكحلا تمييز كما تقول: زيد ذو الحسن وجها أي مكحله ذو نور أي هو منور يشفي الداء بنوره كما تشفى العين المريضة بما يفعله المكحل فيها وهو الميل المعروف، وقيل مكحلا حال من مرؤها أو من المرآة على حذف المضاف فيهما كما ذكرناه وهو العامل وقيل حال من ذو النور؛ لأن معناه صاحب النور نحو زيد ذو مال مقيما.
75-
أَخي أَيُّهَا الْمُجْتَازُ نَظْمِي بِبَابِهِ ... يُنَادَى عَلَيْهِ كَاسِدَ السُّوْقِ أَجْمِلا
هذا هو المقول للحر نادى أخاه في الإسلام والدين الذي جاز هذا النظم ببابه: أي مر به كنى بذلك عن السماع به أو الوقوف عليه إنشادا أو في كتاب وكساد السلعة ضد نفاقها: أي إذا رأيت هذا النظم غير ملتفت إليه فأجمل أنت أي ائت بالقول الجميل فيه والألف في آخر أجملا بدل من نون التأكيد الخفيفة أراد أجملن مثل: {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ} 1.
وقد استعمل ذلك كثيرا نحو: فاعلمه واعملا ومسئولا اسئلا واثنان فاعقلا ويبلو وأقبلا، ونظمي فاعل المجتاز وكاسد السوق حال من هاء عليه وعليه مفعول ينادي القائم مقام الفاعل.
رقق الشاطبي -رحمه الله- خطابه بقوله: أخي أجمل وتواضع بجعله نظمه كاسد السوق ولم يكسد سوقه والحمد لله بل نفقت قصيدته نفاقا واشتهرت شهرة لم تحصل لغيرها من مصنفات هذا الفن.
وكان شيخنا أبو الحسن -رحمه الله- قد أخبرنا عنه أنه قال: لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله بها لأني نظمتها لله سبحانه.
76-
وَظُنَّ بِهِ خَيْراً وَسَامِحْ نَسِيجَهُ ... بِالِاغْضاَءِ وَالْحُسْنَى وَإِنْ كانَ هَلْهَلا
النسيج: المنسوج واستعاره في بيوت الشعر تشبيها ببيوت الشعر، والإغضاء: التغافل عن الشيء، والحسنى