71-

وَنَادَيْتُ أللَّهُمَّ يَا خَيْرَ سَامِعٍ ... أَعِذْنِي مِنَ التَّسْمِيعِ قَوْلاً وَمِفْعَلا

معنى اللهم يا الله، الميم عوض عن حذف حرف النداء وقطع همزته ضرورة ثم كرر النداء بقوله: يا خير سامع أعذني أي اعصمني، والتسميع مصدر سَمَّع بعلمه إذا عمله يريد به السمعة في الناس والشهرة ومثله راءى بعمله إذا عمله؛ ليراه الناس فيثنوا عليه يقال: فعل ذلك رثاء وسمعة وكلاهما خلق مذموم محبط للعمل كأن الناظم -رحمه الله- لما مدح نظمه بما مدحه به خاف أن يكون في ذلك تسميع فاستعاذ بالله سبحانه منه، وقولا ومفعلا مصدران في موضع الحال من الياء في أعذني أي قائلا وفاعلا أو منصوبان على إسقاط الحافض أي فيهما وبهما، ويكون العامل فيهما التسميع على هذا التقدير أو هما بدلان من ياء أعذني بدل اشتمال أي أعذ قولي وفعلي من التسميع وقيل هما تمييزان.

72-

إِلَيكَ يَدِي مِنْكَ الْأَيَادِي تَمُدُّهَا ... أَجِرْنِي فَلاَ أَجْرِي بِجَوْرٍ فَأَخْطَلا

يدي مفعول فعل مضمر أي إليك مددت يدي سائلا الإعاذة من التسميع والإجارة من الجور، ثم قال: الأيادي منك تمدها أي هي الحاملة لي على مدها والمسهلة لذلك أي هي التي أطمعتني في ذلك وجرأتني عليه وإلا فمن حقي أن لا أمدها حياء من تقصيري في القيام بما يجب من طاعتك، والأيادي النعم جمع أيد وأيد جمع يد، واليد النعمة ويجوز أن تكون يدي مبتدأ والأيادي مبتدأ ثانٍ أي يدي الأيادي منك تمدها إليك والفاء في فلا أجري جواب الأمر، وفي فأخطلا جواب النفي وهي ناصبة بإضمار أن في الموضعين وإنما سكن أجري ضرورة أو على تقدير فأنا لا أجري، ومعنى فلا أجري بجوز أي فلا أفعله والجور: الميل أي يميل عن طريق الاستقامة، والخطل المنطق الفاسد، وقد خطل بالكسر خطلا.

73-

أَمِينَ وَأَمْناً لِلأَمِينِ بِسِرِّهَا ... وَإنْ عَثَرَتْ فَهُوَ الْأَمُونُ تَحَمُّلا

أمين: صوت أو اسم فعل بني آخره على الفتح ومعناه اللهم استجب وأمنا مفعول فعل مضمر معطوف على معنى أمين كأنه قال: اللهم استجب وهب أمنا للأمين بسرها أي بخالصها وما فيها من الفوائد وهي لباب المعاني الذي تقدم ذكره، وسر النسب محضه وأفضله، وسر الوادي: أفضل موضع فيه والباء في بسرها بمعنى على يقال هو أمين بكذا وعلى كذا والأمين الموثوق به دعاء له بالأمن وهو ضد الخوف ومن أمانته اعترافه بما فيها من الصواب وإذاعته وتعليمه، والعثرة، الزلة وأضافها إلى القصيدة مجازا أو إنما يريد عثرة ناظمها فيها، والأمون الناقة الموثقة الخلق التي أمن ضعفها.

كأنه أمن منها العثور لقوتها أي إن كان فيها اختلال فاحتمله كما تتحمل هذه الناقة الأعباء الثقيلة وتصبر عليها أي يكون بمنزلة هذه الناقة في تحمل ما يراه من زلل أو خطأ فلا يوجد عنده قلق ولا نفرة بل يقيم المعاذير بجهده ويعترف بتقصير البشر عن إدراك الكمال في أمر ما.

ومن زل في موضع وأصاب في مواضع عديدة فهو على ما أجرى الله تعالى به العادة في حق الأكابر إلا من ثبتت عصمته، وقوله: تحملا تمييز وهو من باب قولهم: هو حاتم جوادا، وزهير شعرا، وقيل: هو مفعول من أجله وهو وهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015