حكم إلا بما علمها عليه فتأمل فيسمى الحق عليما بنسبة العلم إليه مطلقا وعالما بنسبة معلومية الأشياء إليه وعلاما بنسبة العلم ومعلومية الأشياء إليه معا. فالعليم اسم صفة نفسية لعدم النظر فيه إلى شيء مما سواه إذ العلم ما تستحقه النفس في كمالها لذاتها. وأما العالم: فاسم صفة فعلية وذلك علمه للأشياء سواء كان علمه لنفسه أو لغيره فإنها فعلية يقال: عالم بنفسه أي: علم نفسه وعالم بغيره أي علم غيره فلا بد أن تكون صفة فعلية وأما العلام فبالنظر إلى النسبة العلمية اسم صفة نفسية كالعليم. وبالنظر إلى نسبة معلومية الأشياء إليه اسم صفة فعلية ولذا غلب وصف الخلق باسم العالم دون العليم والعلام فيقال: فلان عالم ولا يقال عليم ولا علام مطلقا إلا أن يقال: عليم بأمر كذا ولا يقال علام بأمر كذا بل إن وصف به شخص فلا بد من التقييد فيقال: فلان علام في فن كذا وهذا على سبيل التوسع والتجوز وليس قولهم: فلان علامة من هذا القبيل لأنه ليس من أسماء الله تعالى فلا يجوز أن يقال: إن الله علامة فافهم. كذا في الإنسان الكامل ذكره في كشاف اصطلاحات الفنون أقول عفا الله عني: إن علم الله تعالى ذاتي كسائر صفاته. وإنما قلنا ذلك للرد على الحكماء القائلين بنفي الصفات وإثبات غاياتها وللرد على المعتزلة القائلين بأنه يعلم بالذات لا بصفة زائدة عليها وقال ابن سينا في الإشارات تبعا للفلاسفة: إن الله عالم بالكليات أي دون الجزئيات. وهو كفر بواح لا يقبل التأويل. وهذا أحد ما كفر أهل الإسلام الفلاسفة بها ولهم من أمثال ذلك الطامات الكثيرة المعضلات فلا يهولنك ما ينسب إليهم من المعارف ودقائق الأفكار فما منهم إلا المخالف أو على شفا جرف هار.
وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية1 وغيره من علماء الإسلام أدلة عقلية أيضا. على إثبات صفة العلم لله تعالى لا نطول الكلام بذكرها هنا وأدلة ثبوت صفة العلم لله تعالى سمعا من الكتاب والسنة كثيرة جدا كقوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} [الأنعام: 73] وقوله: {أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ} [النساء: 166] قوله: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ} [فصلت: 47] وقوله: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] وقوله: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] إلى غير ذلك من آيات لا تحصى إلا بكلفة وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "سبق علم الله في خلقه فهم صائرون إليه" وفي حديث ابن عمر: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله".
وصفة العلم له سبحانه إمام أئمة الصفات وقد أحاط بكل شيء علما وعلمه قد تعلق بكل شيء من الأشياء من الجائزات والواجبات والمستحيلات فيجب شرعا أن يعلم أن علم الله غير متناه من حيث تعلقه. أما بمعنى أنه لا ينقطع فهو واضح وأما بمعنى أنه لا يصير بحيث لا يتعلق بالمعلوم فإنه يحيط بما هو غير متناه كالأعداد والأشكال. ونعيم الجنة فهو شامل لجميع المتصورات سواء كان واجبة كذاته صفاته العليا أو مستحيلة كشريك الباري تعالى أو ممكنة كالعالم بأسره الجزئيات من ذلك والكليات على ما هي عليه من جميع ذلك وأنه واحد لا تعدد فيه ولا تكثر وإن تعددت معلوماته وتكثرت.