ابجد العلوم (صفحة 11)

فهو أيضا مجمع عليه بين المشتغلين بالعقل والنظر كالكلدانيين والصابئين أتباع صاب بن إدريس كما رأيناه في حكاية مذاهبهم التي ذهبوا إليها في شأن المعاد ومنهم اليونانيون فإنهم جميعهم من عند أسقلينوس إلى عهد جالينوس مصرحة كتبهم بمعاد الأرواح عليه في دار المعاد وهكذا المشتغلون بالحكمة الإلهية من أهل الإسلام كالكندي ومن جاء بعده كالفارابي ومن جاء بعده منهم كابن سينا فإن كتبهم مصرحة بذلك تصريحا لا شك فيه ولا ريب. وفي هذا المقدار كفاية لمن له هداية انتهى كلام الشوكاني رحمه الله.

وإنما أوردناه ههنا بطوله لاشتماله على الفوائد الجليلة والشيء بالشيء يذكر.

ثم اعلم أن علم الله سبحانه بذاته نفس ذاته فالعالم والمعلوم واحد وهو الوجود الخاص. كذا في شرح الطوالع أي: واحد بالذات أما بالاعتبار فلا بد من التغاير. ثم قال: وعلم غير الله تعالى بذاته وبما ليس بخارج عن ذاته هو حصول نفس المعلوم ففي العلم بذاته العالم والمعلوم واحد والعلم وجود العالم والمعلوم والوجود زائد. فالعلم غير العالم والمعلوم والعلم بما ليس بخارج عن العالم من أحواله غير العالم والمعلوم والمعلوم أيضا غير العالم فيتحقق في الأول أمر واحد. وفي الثاني اثنان. وفي الثالث ثلاثة. والعلم بالشيء الذي هو خارج عن العالم عبارة عن حصول صورة مساوية للمعلوم. فيتحقق أمور أربعة: عالم ومعلوم وعلم وصورة. فالعلم حصول صورة المعلوم في العالم ففي العلم بالأشياء الخارجة عن العالم صورة وحصول تلك الصورة وإضافة الصورة إلى الشيء المعلوم وإضافة الحصول إلى الصورة وفي العلم بالأشياء الغير الخارجة عن العالم حصول نفس ذلك الشيء الحاصل وإضافة الحصول إلى نفس ذلك الشيء ولا شك أن الإضافة في جميع الصور عرض وأما نفس حقيقة الشيء في العلم بالأشياء الغير الخارجة عن العالم فإنه يكون جوهرا إن كان المعلوم ذات العالم لأنه تكون تلك الحقيقة موجودة لا في موضوع ضرورة كون ذات الموضوع العالم كذلك وإن كان المعلوم حال العالم يكون عرضا. وأما الصورة في العلم بالأشياء الخارجة عن العالم فإن كانت صورة لعرض بأن يكون المعلوم عرضا فهو عرض بلا شك وإن كانت صورة لجوهر بأن يكون المعلوم جوهرا فعرض أيضا انتهى.

وهذا مبني على القول بالشبح. وأما على القول بحصول ماهيات الأشياء في الذهن فجوهر.

وقال الصوفية: علم الله سبحانه صفة نفسية أزلية. فعلمه سبحانه بنفسه وعلمه بخلقه علم واحد غير منقسم ولا متعدد لكنه يعلم نفسه بما هو له ويعلم خلقه بما هم عليه. ولا يجوز أن يقال: إن معلوماته أعطته العلم من أنفسها - كما قال الشيخ محيي الدين ابن عربي - لئلا يلزم كونه استفاد شيئا من غيره ولكنا وجدناه سبحانه بعد هذا يعلمها بعلم أصلي منه غير مستفاد مما هي عليه فيما اقتضته بحسب ذواتها غير أنها اقتضت في نفسها ما علمه سبحانه عليها فحكم له ثانيا بما اقتضته وهو ما علمها عليه. ولما رأى الإمام المذكور أن الحق حكم للمعلومات بما اقتضته من نفسها ظن أن علم الحق مستفاد من اقتضاء المعلومات فقال: إن المعلومات أعطت الحق العلم من نفسها. وفاته أنها إنما اقتضت ما علمها عليه بالعلم الكلي الأصلي النفسي قبل خلقها وإيجادها فإنها ما تعينت في العلم الإلهي إلا بما علمها لا بما اقتضته ذواتها ثم اقتضت ذواتها. بعد ذلك من نفسها أمورا هي عين ما علمها عليه أولا فحكم لها ثانيا بما اقتضته وما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015