معجز احمد (صفحة 302)

يقول: لبست خيل سيف الدولة ظلمة الليل بين هذه المطامير والودية، من سيساط حتى أتى مرعش، وقوله: وللروم خطب: في موضع الحال، أي كانت هذه المسيرة والحال هذه، وهي أن خطبهم قد عظم واشتد أمرهم.

فلمّا رأوه وحده قبل جيشه ... دروا أنّ كلّ العالمين فضول

يقول: لما رآه الروم وحده متقدماً على جيشه، علموا أنه كاف عن كل أحد، وأن من عداه زيادة لا يحتاج إليها.

وأنّ رماح الخطّ عنه قصيرةٌ ... وأنّ حديد الهند عنه كليل

يقول: وعلموا أن الرماح تقصر عنه ولا تناله، والسيوف تكل ولا تعمل فيه، أي لا يقدر أحد على طعنه وضربه.

فأوردهم صدر الحصان وسيفه ... فتىً بأسه مثل العطاء جزيل

يجوز في سيفه النصب عطفاً على صدر الحصان.

يقول: جعل سيف الدولة صدر سيفه وفرسه مورد الأعداء. يعني أنه قتلهم بسيفه، واقتحمهم بفرسه. وهو فتى شجاعته مثل عطائه، وكل واحد منهما جزيل.

جوادٌ على العلاّ بالمال كلّه ... ولكنّه بالدّارعين بخيل

العلات: جمع العلة، وأرد ها هنا كل حدث شاغل، وقيل: قلة المال وتعذر الحال.

يقول: هو جواد بماله كله في جميع الأحوال، لا تشغله الحروب والشدائد عن الجود.

وقيل: معناه أنه يجود حين يعتل عليه ماله ويقل، ولكنه مع هذا الجود، بخيل بالرجال، لا تسمح نفسه أن يسلمهم للقتل، بل يذب عنهم بنفسه. والدارعين: أصحاب الدروع.

فودّع قتلاهم وشيّع فلّهم ... بضرب حزون البيض فيه سهول

البيض: جمع بيضة، وهي الترك. وروى: حزون الموت والفل: القوم المنهزمون. والضمير في قتلاهم وفلهم للروم.

يقول: قتل قوماً وهزم الباقين، ثم ترك القتلى مكانهم فودعهم، وشيع المنهزمين، وفعل هذا التوديع والتشييع بضرب حزون البيض فيه سهول: أي شدة البيض وصعوبته سهل على هذا الضرب، لم تمنعه الدروع والبيض.

وقيل: إنه جعل ضربه إياهم توديعاً لمن قتل منهم، وتشييعاً لمن انهزم كما قال:

تحيّة بينهم ضربٌ وجيع

على قلب قسطنطين منه تعجّبٌ ... وإن كان في السّاقين منه كبول

قسطنطين: ابن الدمستق، والكبول: القيود.

يقول: هو متعجب مما شاهد من سيف الدولة من الشجاعة والإقدام! لم يشغله عن التعجب ما هو فيه من الأسر والقيود.

لعلّك يوماً يا دمستق عائدٌ ... فكم هاربٍ ممّا إليه يئول

يقول: إن كنت قد هربت وسلمت. فلعلك ترجع يوماً آخر، فتؤسر وتقتل، وكثير من الناس هرب من أمر، ثم رجع إليه.

نجوت بإحدى مهجتيك جريحةً ... وخلّفت إحدى مهجتيك تسيل

يقول: نجوت بواحدة من مهجتيك مجروحة: يعني نفسه، وخلفت مهجتك الأخرى: يعني ولده؛ لأنه في حكم نفسه. تسيل: أي تذوب في القيد؛ وهذا لأنه جعل ابنه إحدى روحيه. كما روى في الخبر أنه صلى الله عليه وسلم قال: فطمة بضعة منّى.

أتسلم للخطّيّة ابنك هارباً ... ويسكن في الدّنيا إليك خليل!!؟

يقول: أنت إذا سلمت ابنك، الذي هو نفسك، للرماح وهربت عنه! فكيف يسكن إليك صديقك! وكيف يثق بالوفاء منك خليلك؟!

بوجهك ما أنساكه من مرشّةٍ ... نصيرك منها رنّةٌ وعويل

الهاء في أنساكه للابن. والمرشة: الضربة التي ترش الدم، أي تطايره.

يقول: هربت وفي وجهك ضربة أنستك ابنك وشغلتك بنفسك، فنصيبك من هذه الضربة الأنين والبكاء، أي لا تقدر إلا على البكاء والعويل.

أغرّكم طول الجيوش وعرضها؟! ... عليّ شروبٌ للجيوش أكول

يقول: غركم كثرة جيوشكم، فلم تعلموا أنه يأكلها ويشربها! يعني أنها غنيمة له يأكلها، فكلما كثرت، كان أجود له.

إذا لم تكن للّيث إلا فريسةً ... غذاه ولم ينفعك أنّك فيل

يقول: إذا كنت فريسة لليث، لم ينفعك عظم جسمك، ولو كنت مثل الفيل، بل سمنك وعظم جسمك يغذوه، وموضع أنك فيل رفع بغذاه: أي غذاه كونك ذلك، فأعمل الفاعل الأول فيه وأضمر الفاعل الثاني. وقيل: أضمر الفاعل في غذاه لدلالة الثاني عليه، وتقديره: وغذاه الفيل، ولم ينفعك أنك كذلك.

إذا الطّعن لم تدخلك فيه شجاعةٌ ... هي الطّعن لم يدخلك فيه عذول

يقول: إذا لم يكن فيك شجاعة، تدخلك في الطعان، وتحملك على مقارعة الأقران، لم يحملك عليه عذل العاذل.

فإن تكن الأيّام أبصرن صولةً ... فقد علّم الأيّام كيف تصول

طور بواسطة نورين ميديا © 2015