إلى قريب مما كانت عليه إلا فترة أبي الطيب وممدوحيه، وإلا شيئًا يسيرًا عند ملوك الطوائف بالأندلس والمغرب.

أذاقتني الأسفار ما كره الغنى ... إلي وأغراني برفض المطالب

فأصبحت في الإثراء أزهد زاهد ... وإن كنت في الإثراء أرغب راغب

حريصًا جبانًا اشتهى ثم انتهى ... بلحظي جناب الرزق لحظ المجانب

تأمل الطباق في أزهد زاهد وأرغب راغب والجناس في اشتهى وانتهى.

ومن راح ذا حرص وجبن فإنه ... فقيرٌ أتاه الفقر من كل جانب

من هنا أخذ أبو الطيب قوله:

ومن ينفق الساعات في جمع ماله ... مخافة فقر فالذي صنع الفقر

فجاء به مثلًا وحكمة كما ترى. وما قصر ابن الرومي في لفظ ولا معنى ولكنه لم ينفخ في كلماته الروح الذي يقفز بشعرها إلى درج الحكمة العلى وقد ترى مكان الإطناب -على صحته- في قوله «فقير أتاه الفقر من كل جانب» فهذا ضرب من الزوائد يقصر بالقول الذي تراد به الحكمة عما ينبغي أن يصل إليه من ذروة الوحي والإيجاز القارع للسمع الوالج على القلب.

ولما دعاني للمثوبة سيد ... يرى المدح عارًا قبل بذل المثاوب

وكأن قد اضطرته القافية إلى جمع المثوبة وقد كشف هذا المعنى أبو الطيب ومن ههنا اخذه فيما ترجحه:

تهلل قبل تسليمي عليه ... وألقى ماله قبل الوساد

ثم يقول ابن الرومي:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015