تنازعني رغبٌ ورهبٌ كلاهما ... قويٌّ وأعياني اطلاع المغايب

فقدمت رجلًا رغبة في رغيبة ... وأخرت رجلًا رهبة للمعاطب

مسكين ابن الرومي. هذا الشك وهذه الوسوسة هي التي قصرت به عن نيل العطاء ولماذا كان يطمع أن يصله العطاء ولما يرتحل له ويسمع ممدوحه مدحته -بل كما قد ترى قد قدم رجلًا وأخر أخرى، واعتمد آخر الأمر على التي أخرها، فأخره ذلك، فصار بعد المديح إلى الهجاء.

أخاف على نفسي وأرجو مفازها ... وأستار غيب الله دون العواقب

ألا من يبريني غايتي قبل مذهبي ... ومن أين الغايات بعد المذاهب

ولكنه لم يمض على سبيل اللوم لنفسه، وإذن لوجد منجاة، بل أقبل يعتذر عن هذا الجبن والتردد:

ومن نكبة لاقيتها بعد نكبة ... رهبت اعتساف الأرض ذات المناكب

وصبري على الإقتار أيسر محملًا ... علي من التغرير بعد التجارب

الإقتار الفقر. وعاد ههنا فأكد معنى الشك والخوف من أن يصل إلى الممدوح فلا يجد عنده كبير شيء -والتجربة قد علمته ذلك. أو كما قال:

ذهب الذين تهزهم مداحهم ... هز الكماة عوالي المران

أو كما قال:

وإذا امرؤٌ مدح امرأً لنواله ... وأطال فيه فقد أطال هجاءه

لو لم يقدر فيه بعد المستقى ... عند الورود لما أطال رشاءه

أي لو لم يقدر أن مكان الماء في تلك البئر بعيد لم يجيء ليرد برشاء طويل أي حبل طويل. وهكذا كان يفعل رحمه الله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015