} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ?

حيث أنه يحقق السعادة لهم

وتتمثل هذه الرحمة في الآتي:

1 - بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وذلك بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها، ولأجل ذلك كان كل ما أمر الله به فيه مصلحة راجحة للعباد وكل ما نهى عنه ففيه مفسدة وضرر راجحين لهم

2 - ذكر كثير من العلماء أن التكاليف في الإسلام بما فيها من أوامر ونواه مبنية أصلاً على المصالح والمفاسد لا على غير ذلك

3 - لما أكمل الله تعالى للمسلمين الدين وأتم عليهم النعمة فإنه لم يهمل في كتابه مصلحة دنيوية ولا أخروية إلا نبّه عليها.

4 - لم تبن التكاليف في الشرائع الإلهية السابقة - كما ذكر كثير من العلماء - على جلب المصالح ودرء المفاسد كما هو في شريعة الإسلام؛ وإنما ارتبط التحريم في بعض الأحيان بالعقوبة لا بالمصلحة والنعمة؛ ولأجل ذلك قال تعالى عن اليهود:} فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ?

ويذكر ابن تيمية أنه قد حُرمت على اليهود ثلاثمائة وستين نوعاً من الأطعمة الطيبة ومع تحريم الله تعالى عليهم كثيراً من الطيبات فإن بعض الخبائث قد حللها لهم. ولما جاءت شريعة عيسى حللت لهم قليلاً مما حرم عليهم؛ ولكن شريعة عيسى أيضاً لم تكن مبنية على المصالح

أما شريعة الإسلام فيقول الله عن نبيها صلى الله عليه وسلم:} وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ?

ويذهب ابن تيمية -مبيناً الأمور التي انبنى عليها التحليل والتحريم في الإسلام – إلى أن وصف الحلال بالطيب والحرام بالخبيث ليس لكونها حلالاً وحراماً؛ أي لم تكتسب صفة الطيب والخبث من أحكامها؛ وإنما بنيت هذه الأحكام أصلا على أوصاف تلك الأشياء في أنفسها لا العكس.

8 - موافقة الحس:

إن الوحي منزل من عند الله والكون مخلوق لله، والوحي مشتمل على وصف لعالم الغيب والشهادة، ولهذا فانه لا يمكن بحال أن يناقض الوحي عالم الشهادة والحس؛ يقول ابن تيمية " لا يجوز أن يكون في القرآن ما يخالف صريح العقل والحس"

إلا أن لهذا الأمر خصائص وهي:

1 - رغم أن القرآن وعالم الحس متوافقان كل التوافق إلا أن البشر – كما يذكر ابن تيمية – قد تخفى عليهم الألفاظ في القرآن والسنة.

2 - إن البشر رغم معرفتهم بالألفاظ في بعض الأحيان قد تخفى عليهم المعاني

ولما كان الأمر كذلك فإن إدراك أمر التوافق بين الحس والقرآن يحتاج إلى ضوابط وهي معرفة القرآن وأسلوبه ومعانيه من جهة ومعرفة الكون وعالم الحس وخصائصه من جهة أخرى؛ وسيأتي الحديث عن ذلك.

9 - موافقة العقل:

إنّ الوحي الإلهي موافق للعقل الصريح ولا تجوز المخالفة والتناقض بين الأمرين؛ يقول ابن تيمية " العقل الصريح مطابق للسمع الصحيح"

ولما كان الأمر كذلك فقد وجب إدراك التوافق بين العقل والوحي؛ وذلك حتى يتم استهداء العقل بالوحي؛ يقول ابن تيمية " لا يكفي مجرد العقل؛ بل كما أنّ نور العين لا يرى إلا مع ظهور نور قدامه - فكذلك نور العقل لا يهتدي إلا إذا طلعت عليه شمس الرسالة"

ولما كان العقل مطابقاً للوحي وموافقا له فقد وجب التعامل مع الأمرين دون عزل لأحدهما عن الآخر؛ ويذكر شيخ الإسلام أن هنالك نوعين من الناس في عزل الوحي عن العقل كلاهما مذموم وهما:

1 - الذين جعلوا العقل هو الأصل والقرآن والسنة تابعين له.

2 - الذي رأوا أنّ العقل ليس بشيء يعتد به في أمر الدين فتعاملوا مع الوحي والإيمان دون إعمال للعقل.

ومن الملاحظ أن الله تعالى سمى من يقرؤون الوحي دون فهم لمعانيه ومقاصده بالأميين قال:} وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ ?

وقد فسرّ العلماء "الأماني " بأنها "التلاوة" فهؤلاء الناس سماهم الله تعالى بالأميين؛ رغم أنهم يعرفون التلاوة والقراءة والكتابة؛ ويذهب ابن تيمية إلى أن من لا يفهم معاني القرآن فهو أمي وان كان يحفظ القرآن ويعرف المكتوب

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015