جميعُ الطبعاتِ التي خرجتْ هي عالةٌ على الطبعة العتيقةِ التي طُبعتْ في مطبعة السعادةِ عام 1328هـ، كلما نفِدَتْ طبعةٌ أعيدَ تصويرُها، وقد طبعتْه دارُ الكتب العلمية بتحقيق: عادل عبد الموجود وعلي معوض عام 2001م، ويكفي عند طلبة العلم ذكرُ اسمِ المحقِّقَيْن ودارِ النشر لمعرفة مدى قيمةِ التحقيق!!!

وهنالك طبعةٌ –لم أقفْ عليها- أشار إليها د. عبد السميع حسنين –رحمه الله- (4) ذكر أنها من منشورات دار الفكر ببيروت وأنها بعناية: ومراجعة عرفان العشا حسونة وصدقي محمد جميل، وقد أبان الدكتورُ عَوارَها وهتك أستارَها وأنها صورةٌ مستنسخةٌ عن طبعة مطبعة السعادةِ المذكورةِ وفيها من السلبيات ما في طبعة السعادة وأكثرُ بكثير فليُراجَعْ كلامُه.

والعملُ الوحيدُ الذي له حظٌّ من الإتقان هو عمل د. عبد السميع محمد أحمد حسنين –رحمه الله-، فقد شرع في تحقيق الكتاب، وكان يعتبره مشروعَ العمر ويُمَنِّي النفسَ بإتمامه، ولكنَّ المَنِيَّةَ عاجلتْه قبل أن يُحقِّقَ أمنيتَه –رحمه الله-، وقد بلغ في تحقيقه إلى سورة المائدة فقط –كما أفاد بذلك ابنُه أحمد بن عبد السميع شخصياً- وطبع منه مجلدان ينتهي الثاني منهما بنهاية الربع الأول من سورة البقرة فقط –نهاية آية [25] (5)، بَيْدَ أن عمل د. عبد السميع –رحمه الله- عملٌ فرديٌّ يختلف عن عمل الرسائل العلمية التي ترتكز على منهجية علميةٍ وآليةٍ دقيقةٍ أكاديميةٍ يُشْرِفُ عليها كادرٌ من الأساتذة المتخصصين ويناقشها بعد ذلك أساتذة متخصصون أيضاً وتخضع للتقويم والتحكيم، فهي ليست كعمل فردٍ واحدٍ مهما كان جِدُّه ودَأَبُه وحرصُه لاسيما في كتاب موسوعيٍّ كهذا، ولذا فإن من أبرز المآخذ على عمله ما يلي:

- اعتمد على نسختين خطيتين محفوظتين بدار الكتب المصرية بالقاهرة، ولأُولاهما صورةٌ ميكروفيلمية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، والنسختان غيرُ تامتَيْن، فأُولاهما تنتهي بنهاية الجزء الأول من سورة البقرة، وثانيتهما تنتهي بنهاية الحزب الأول من السورة نفسِها، ولم يُذْكَرْ تأريخُ نسخهما ولا اسمُ ناسخ أُولاهما (6).

- لم يُفَصِّل الكلامَ على منهجه في التحقيق في مقدمة تحقيقه وإنما ذكره بإجمال، على أن أغلبَه يتعلق بالجانب اللغوي، ولذا فقد انعكس ذلك على عمله فيه، فتلْحَظُ التفاوتَ والاختلافَ ظاهراً من موضعٍ لآخرَ، فتارةً يُطِيلُ التعليقَ وأخرى يقتضِبُ، وحِيناً يُوثِّقُ بعضَ المسائل، وحِيناً آخرَ يُغْفِلُ التوثيقَ وهكذا ... ، والكتابُ متداوَل يُصَدِّقُ ذلك أو يُكَذِّبُه، ولست –والله- أريد تقليلاً من شأن هذا العملِ أو تزهيداً فيه أو قَدْحاً في صاحبه –رحمه الله برحمته الواسعة- ولكنه مقتضى النقدِ الموضوعي الذي يحتِّمه العملُ العلمي، فَوَالله لولا ما أثير من هذه التساؤلات التي تَغْمِزُ هذا العملَ والجامعةَ الإسلاميةَ التي تبنَّت هذا المشروعَ، ولولا ما تقتضيه مصلحةُ الكتابِ ما كنتُ أجرُؤُ ولا تحدِّثُني نفسي أن أتطاوَلَ على الدكتور عليه نسائمُ الرَّحَمات وشآبيبُ الرِّضوان في الغُدُوِّ والآصال.

ثالثاً: منهجية التحقيق المتبعة:

بعد موافقة مجلس قسم التفسير بكلية القرآن الكريم تمَّ تشكيلُ لجنةٍ مكوَّنةٍ من ستةٍ من أساتذة القسم لتحرير منهجيةِ التحقيقِ وتضييقِ نطاقِ التفاوتِ المتوقَّعِ بين الباحثين بوضعِ منهجيةٍ دقيقةٍ صارمةٍ تجعلُ في أولويةِ العملِ التركيزَ على سلامة النص وإخراجِه أقربَ لوجه الصَّواب كما أراده المؤلفُ –رحمه الله- وعدمِ إثقالِ هوامشِ الكتابِ بالتعليقات التي لا تدعو إليها ضرورةُ التحقيقِ العلميِّ خدمةً للنصِّ وذلك بالإطناب في التخريج وتراجِم الأعلام ونحوِ ذلك مما سيزيدُ الكتابَ ثِقَلاً وضخامةً، وهو ما سيكون -في الغالب- صارفاً عن الاستفادة منه أو يتسبب في صعوبة طباعته فيما بعدُ، إضافةً للمنهج المعروفِ المتَّبَعِ في تحقيق كتب التراث، يقول د. أكرم ضياء العمري في (مناهج البحث وتحقيق التراث): " ... ولكنْ حصل تباينٌ كبيرٌ بين المحققين في ضابط التعليق وقَدْرِه، واكتفى بعضُهم بالإشارة في الحواشي إلى اختلاف النسخ الخطيةِ للكتاب الواحدِ في بعض الألفاظ، وتوسَّع بعضُهم بنقل مادَّةٍ علميةٍ في ذات الفن الذي تتناوله المخطوطةُ في كتبٍ أخرى وتثبيتِها في الحواشي، والترجيحِ بين الآراءِ، أو

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015