سنن". "يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم".

أما الآيات التالية فهي تتحدث عن القانون في مجال الظواهر الطبيعية: "والقمر قدرناه منازل". "هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل". "وخلق كل شيء فقدره تقديرا". "وكل شيء عنده بمقدار". "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه. وما ننزله إلا بقدر معلوم". "وأنزلنا من السماء ماء بقدر". "فجعلناه (أي ماء الإنسان) في قرار مكين * إلى قدر معلوم". "وجعلنا فيها رواسي، وأنبتنا فيها من كل شيء موزون". "والسماء رفعها ووضع الميزان * ألا تطغوا في الميزان".

بعد استعراض هذه الآيات، وهي مجرد أمثلة، يستغرب الإنسان كيف يجرؤ مؤلف Promotion de l’Islam على زعم بأن الحضارة الإسلامية هي نتاج غير طبيعي لشخصية محمد وطبيعة الإسلام، لأن الرسول (كما يقول) كان أميا، والإسلام (في نظره) لا يهتم إلا بالحياة الآخرة، فكيف تكون النتيجة إذن هي هذه الحضارة الإسلامية المزدهرة التي تعلمت منها أوربا؟ والإجابة عنده هي أن الإسلام قد ورث ثقافة الإغريق والبيزانطيين والفرس. وهو يتهم الإسلام بفقدان قوى الأصالة والإبداع التي يتطلبها قيام الحضارة، ويؤكد أن من بين ما يحتاجه الإسلام من الغرب اقتباس المنهج التجريبي والروح التحليلية والعقلية الناقدة. ولكن سرعان ما يزول استغراب الإنسان لهذه المزاعم حين يعرف أن صاحبها رجل دين، فرجال الدين من المستشرقين هم أسخفهم عقلا وأعماهم تعصبا وأضيقهم أفقا وأجرؤهم على الكذب إلا قليلا منهم. والسؤال هو: ترى لو أن القرآن والرسول لم يحضا على المجد والتفوق في الدنيا وطلب العلم واتباع مبادئ المنهج العلمي المؤسسة على اليقين والتثبت والتساؤل وتقليب النظر والملاحظة واستقراء القانون أكانت هذه الثقافات التي ورثها المسلمون تؤدي في أيديهم إلى شيء؟ لقد كان هذا التراث بين أيدي الأوربيين في ذات الوقت فكيف لم يستفيدوا منه مجرد استفادة، ولا أقول: ينتقدوه ويضيفوا إليه ويطوروه ويصبغوه بشخصيتهم وعبقريتهم كما فعل المسلمون؟ الجواب هو أن كتابهم المقدس، وإن مجد العلم في بعض آياته، فإنه في آيات أخرى يحتقره وينفر منه. وهو على أية حال لا يدعو إلى التفكير واستخدام العقل والتأمل في أحوال الأمم ومظاهر الطبيعة والتثبت من كل رأي أو فكرة قبل اعتناقها، وذلك على عكس الإسلام، الذي يذكر مؤلف كتاب Christ et رضي الله عنهahá’u’llah أن من بين خصائصه التي تميزه "حرية الفكر والتوافق بين الدين والعلم".

هذا فيما يتعلق بموقف كل من الكتاب المقدس والقرآن من العلم ومن التفكير القائم على مبادئ المنهج العلمي من ملاحظة يقظة وتفكير متثبت مدعوم بالبراهين وبعد عن الظن وتأمل في نظام الكون وسننه ومقاديره. والآن إلى النقطة الأخيرة الخاصة بما ورد في كل من الكتابين من معارف علمية: تاريخية أو طبيعية، لنرى مدى موافقة هذه المعارف لما هو مقطوع بصحته من العلم أو مخالفته لها مخالفة لا تقبل تأويلا كائنا ما كان.

لقد أثبتت الدراسات العلمية الموضوعية أن الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد مفعم بأخطاء تاريخية وحسابية وعلمية فادحة يستحيل أن يجد المؤول لها مخرجا على وجه من الوجوه. ومن هذه الدراسات ما نهض به ابن حزم بصبر ودقة عجيبين ويقظة عين وعقل قل أن يوجد لها بين الباحثين نظير، وذلك في العشرات بعد العشرات من الصفحات ذات القطع الكبير.

ولست أنوي أن أعرض بل ولا حتى أن أشير مجرد إشارة إلى كل ما درسه ابن حزم من أخطاء فاحشة يعج بها الكتاب المقدس، فكتابه "الفصل في الملل والأهواء والنحل"، الذي يتضمن هذه الدراسة مطبوع في الأسواق، ويستطيع القارئ أن يرجع إليه بنفسه، وأنا ضمين له بأنه سيجد فيه ألوانا رفيعة من الفوائد العلمية والمتع العقلية. ولكني سأجتزئ ببعض أمثلة أرجو أن تغري القارئ بقراءة الأصل كله.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015