قال ابن حزم: "وبعد ذلك قال: ونهر يخرج من عدن فيسقي الجنان. ومن ثم يفترق فيصير أربعة أرؤس. اسم أحدها النيل، وهو محيط بجميع بلاد زويلة الذي به الذهب. وذهب ذلك البلد جيد. وبها اللؤلؤ وحجارة البلور. واسم الثاني جيحان، وهو محيط بجميع بلاد الحبشة. واسم الثالث الدجلة، وهو السائر شرق الموصل. واسم الرابع الفرات. وأخذ الله آدم ووضعه في جنات عدن". ولا أظنني بحاجة إلى أورد تفنيد ابن جزم لهذا الكلام، فسخفه ظاهر لكل ذي عينين. وقال ابن حزم في موضع آخر: "وبعد ذلك قال: وأولاد يعقوب اثنا عشر. فأولاد ليئة: رؤابين بكر يعقوب وشمعون ولاوي ويهوذا ويساخر وزبولون. وأبناء راحيل: يوسف وبنامين. وابنا بلهة: راحيل دان ونفثالي. وابنا زلفة أمة ليئة: جادا وأشير. هؤلاء بنو يعقوب الذين ولودوا له بفدان أرام. قال أبو محمد رضي الله عنه (أي ابن حزم): هذا كذب ظاهر، لأنه ذكر قبل أن بنيامين لم يولد ليعقوب إلا بأقراشا بقرب بيت لحم على أربعة أميال من بيت المقدس بعد رحليه من فدان أرام بدهر. والله تعالي لا يتعمد الكذب ولا ينسى هذا النسيان". ويقول ابن جزم أيضا: "وفي الباب المذكور أن المسيح قال لهم: أتاكم يحيى وهو لا يأكل ولا يشرب، فقلتم: هو مجنون. ثم أتاكم ابن الإنسان (يقصد نفسه) يأكل ويشرب، فقلتم: هذا صاحب خوان شروب للخمر خليع صديق للمستخرجين والمذنبين. قال أبو محمد رضي الله عنه: في هذا الفصل كذب ... فإنه قال هاهنا إن يحيى كان لا يأكل ولا يشرب حتى قيل فيه إنه مجنون من أجل ذلك. وفي الباب الأول من إنجيل مارقش أن يحيى بن زكريا هذا كان طعامه الجراد والعسل الصحراوي. وهذا تناقض، وأحد الخبرين كذب بلا شك". "وفي الباب السابع والعشرين من إنجيل متى أنه صلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره. وكانا يشتمانه ويتناولانه محركين رؤوسهما، ويقولان: يا من يهدم البيت ويبنيه في ثلاث، سلم نفسك. إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب. وفي الباب الخامس عشر من إنجيل مارقش أنه صلب معه لصان أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله. واللذان صلبا معه كانا يستعجزانه. وفي الباب الموفي عشرين من إنجيل لوقا (هو في الأصحاح الثالث والعشرين في الإنجيل الذي في أيدينا الآن): وكان أحد اللصين المصلوبين معه يسبه ويقول: إن كنت أنت المسيح فسلم نفسك وسلمنا. فأجابه الآخر وكشر عليه وقال: أما تخاف الله وأنت في آخر عمرك وفي هذه العقوبة؟ أما نحن فكوفئنا بما استوجبنا، وهذا لا ذنب له. ثم قال ليسوع: يا سيدي، اذكرني إذا نلت ملكوتك. فقال له يسوع: آمين. أقول لك اليوم تكون معي في الجنة". قال أبو محمد: إحدى القضيتين كذب بلا شك، لأن متى ومارقش أخبرا بأن اللصين جميعا كانا يسبانه. ولوقا يخبر بأن أحدهما كان يسبه والأخر كان ينكر على الذي يسبه، ويؤمن به. والصادق لا يكذب في مثل هذا. وليس يمكن هاهنا أن يدعى أن أحد اللصين سبه في وقت وآمن به في آخر، لأن سياق خبر لوقا يمنع من ذلك ويخبر أنه أنكر على صاحبه سبه من لم يساعده قط على ذلك. وكلهم متفق على أن كلان اللصين وهم ثلاثتهم مصلوبون على الخشب، فوجب ضرورة أن لوقا كذب أو كذب من أخبره، أو أن متى كذب وكذب مارقش أو الذي أخبره ولابد".

ولا يظن ظان أن المسلمين وحدهم هم الذين يرون في الكتاب المقدس هذا الرأي فإن العلماء الغربيين يقولونه، بل يشاركهم فيه كثير من رجال الدين. فكاتب مادة Christianity في دائرة المعارف البريطانية يؤكد أن منطق النصرانية وفلسفتها ومعارفها العلمية هي نتاج ينتمي إلى عصور تاريخية مضت، وأن ذلك كان خطوة في طريق التطور العلمي، وأن الزعم بأنه يمثل الحقيقة المطلقة هو زعم لا يساوي عناء الرد عليه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015