فإن أطرق الغضبان أوخط في الثرى ... فقولوا فقد ألقى إليكم سماعه

وقال مضمناً:

لا يدعي بدر لوجهك نسبة ... فأخاف أن يسود وجه المدعي

والشمس لو علمت بأنك دونها ... هبطت إليك من المحل الأرفع

وله يمدح بعض مكارم عصره:

ألام انتظاري للوصال ولا وصل ... وحتام لا تدنو إلي ولا أسلو

وبين ضلوعي زفرة لو تبوأت ... فؤادك ما أيقنت أن الهوى سهل

جميلاً بصب زاده النأي صبوة ... ورفقا بقلب مسه بعدك الخبل

إذا طرفت منك العيون بنظرة ... فأيسر شيءٍ عند عاشقك القتلى

أمنعمة بالزورة الظبية التي ... بخلخاله حلم وفي قرطها جهل

ومن كلما جردتها من ثيابها ... كساها ثيابا غيرها الفاحم الجثل

سقى المزن أقواماً بعساء رامة ... لقد عطلت بيني وبينهم السبل

وحيَّا زمانا كلما جئت طارقاً ... سليمى أجابتني إلى وصلها جمل

تود ولا أصبو وتوفي ولا أفي ... وأنأى ولا تنأى وأسلو ولا تسلو

إذا الغصن غض والشباب بمائه ... وجيد الرضى من كل ناتئة عطل

ومن خشية النار التي فوق وجنتي ... تقاصر إن يدنو بعارض النمل

بروجي من ودعتها ومدامعي ... كسمط جمان جن من سمطه الحبل

كأن قلاص المالكية نوخت ... على مدمعي فارفض من مدره الأئل

وما ضربت تلك الخيام بعالج ... لقصد سوى أن لا يصاحبني العقل

وجدب كأن العيس فيه إذا خطت ... تسابق ظلاً أو يسابقها الظل

يسمن بنا الانضاء حتى كأننا ... جياد رحى أو أرضنا معنا قفل

إذا عرضت لي من بلاد مذلة ... فأيسر شيء عندي الوخد والرحل

وليس اعتساف البيد عن مربع الأذى ... يذل ولكن المقام هو الذل

وما أنا ممن إن جهلنا خلاله ... أقامت به القامات والأعين النجل

وكل رياض جئتها لي مرتع ... وكل أناس أكرموني هم الأصل

ولي باعتمادي أبلج الوجه راشد ... عن الشغل في أثار هذا الورى شغل

همام رست للمجد فيه جنب عزمه ... جبال جبال المجد في جنبها سهل

وليث هياج ما عيين جفونه ... من الكحل إلا والعجاج لها كحل

يقوم مقام الجيش إن غاب جيشه ... ويغمد حد النصل إن غمد النصل

زكت شرفاً أعراقه وفروعه ... وطابت لنا منه الفضائل والفعل

إذا لم يكن فعل الأمير كأصله ... كريماً فما تغني المناسب والأصل

من النفر الغر الذين تألفوا ... مدى الدهر أن يأتي ديارهم البخل

كرام إذا راموا فطام وليدهم ... من الثدي خطو البخل فانفطم الطفل

ليوث إذا صابوا غيوث إذا هموا ... بحور إذا جادوا السيوف إذا سلوا

وإن خطبوا مجدا فإن سيوفهم ... مهور وأطوار القنا لهم أرسل

إذا قفلوا تنأى العلى حيث ما نأوا ... وإن نزلوا حل الندى حيثما حلوا

توالت على كسب الثناء طباعهم ... وأعراضهم حرم وأموالهم حل

أمولاي إن تمضي فغيض سما العدا ... وقامت قناة الدين وانتشر الفضل

وإن يك قد أفضى الزمان بسالم ... فإنك روض الوبل إن ذهب الوبل

إليك ارتمت فينا قلاص كأنها ... قسي بأسفار كأنهم نبل

وما زجر الأنضاء سوطي وإنما ... إليك بلا سوق تساوقت الإبل

وكل لحاظ لست إنسانها قذى ... وكل بلاد لست صيبها محل

وقال صاحب "السلافة" قد لمحت في أول الترجمة بقولي فما أشعار عبد بني الحسحاس لقوله:

أشعار عبد بني الحسحاس قمن له ... يوم الفخار مقام الأصل والورق

إن كنت عبداً فنفسي حرة كرماً ... أو أسود الخلق إني أبيض الخلق

وعبد بني الحساس هذا: هو سحيم، وكان عبدا اسود نوبيا، مطبوعا في الشعر، اشتراه بنو الحساس، فنسب إليهم، وهم بطن من بني أسد، وقد أدرك النبي، ويقال: انه تمثل من شعره بكلمة غير موزونة، وهي: كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا. فقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله إنما قال الشاعر: كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً، فجعل لا يطبق فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله، وما علمناه الشعر وما ينبغي له.

ويقال: أنه أنشد عمر رضي الله عنه قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015