دقائق الحكمة مفتاح كنوزها (?).

واستمر مثابرا بجد على التدريس والإفادة إلى أن لحق بربه في جمادى الأولى سنة 1204/ 1789.

وكان - رحمه الله - عفيفا ديّنا بعيدا عن مواطن الشبهات، مائلا إلى العزلة، غير راغب في تولي المناصب مثل القضاء، قال الشيخ محمود مقديش: «وكان - رحمه الله - ذا همة وعفة وصيانة قد سدّ أبواب الطمع عن جميع الخلق في متاع الدنيا وارتفع عن المناصب كلها، طلبه أهل بلده في تولي القضاء فأبى، فكتبوا فيه وثيقة بأنه اللائق بنا فأبطل جميع ما عملوه فولّوا الشيخ كمون.

ولما احتمى من القضاء ألزموه التدريس في الجامع الأعظم فأسعفهم وجعلوا له مرتبا يستعين به من المجابي المخزنية فأبى أن يقبله فلقيه شيخنا بو عصيدة (?) وقال «مالك امتنعت من المرتب وهو إعانة؟ ».فقال: «هو من المجابي وأكثرها ظلم، وكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به» (?). فباسطه وقال له: «خذه فحما واجعله تحت القدر» فقال: «هو استعانة والاستعانة لا تكون إلا بالله وما أذن الله فيه» فجعلوا له من الجزية فرضيه، وكذا جعل له شيء من زكاة الحبوب يقتاته هو وعياله وكان صابرا على الشدائد حتى وسّع الله عليه بالكفاف، وكان مائلا إلى الخمول جدا ولا يصلي إماما إلاّ في مسجد مهجور احتسابا فسألناه عن ذلك فقال:

«لإحياء بيت من بيوت الله هجره الناس لقلة ما يعود عليهم فيه من الدنيا».ولا يعرف للأمراء بابا ولو للشفاعة لأن الزمان قد فسد، وبطل عند أهله شفاعة الشافعين فوقوف (?) العالم على أبوابهم لا فائدة فيه فلذا نبذهم ظهريا، وجعلهم نسيا منسيا، والتحدث بهم شيئا فريا.

وكان أولا قد تحمل بعض الشهادات، فلما كثر (?) طغيان العامة على بعض المنتصبين لعمل الشهادة أعرض عن ذلك تعففا وتكرما ... وكان ممن سلم (?) المسلمون من لسانه ويده، كثير الانجماع في بيته لا يخرج إلا لدرس يقرؤه أو لزيارة الصالحين والأقربين (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015