مقدّمة

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

وبعد فقد كنت منذ عهد الشباب الباكر مغرما بتتبع تراجم التونسيين، وإذا عثرت على كتاب في تراجمهم أو مقالة في مجلة أو صحيفة في ترجمة أحدهم فكأنما ظفرت بكنز، وينتابني الفرح والسرور. وكان من أول الكتب التي طالعتها وأنا يافع في المرحلة الأولى من التعليم الثانوي كتاب (المؤنس) لابن أبي دينار، وتاريخ مقديش (نزهة الأنظار) كما كنت ولوعا بتتبّع آثار التونسيين في الأدب والتاريخ والتراجم فطالعت في هذا الطور «زهر الآداب» لإبراهيم الحصري، و «عنوان الأريب» للشيخ محمد النيفر، و «المنتخبات التونسية» لحسن حسني عبد الوهاب. ولا داعي للإطالة بسرد أسماء الكتب، ويكفي منها ما يدل على الاتجاه في المطالعة والإقبال بشوق ولهف عليها وقد كنت لا أهمل أية فرصة للمطالعة بالاستعارة من الأفاضل الأكرمين، أو بغيرها من الوسائل التي تهيأت لي حتى أني أذكر أن الحاج سالم عبد الناظر الكوّاش (الفران) صناعة - وقد مارس هذه الصناعة بتونس العاصمة، وكوّن مكتبة بها مجموعة من المخطوطات الصالحة، تلاشى غالبها في قائم حياته، وأهديت بقيتها بعد وفاته إلى المدرسة الثانوية بطريق العين (مدرسة 15 نوفمبر) - أتذكر أني قصدته ذات مرة للطّلاع على مكتبته واستعارة ما يوافق مبتغاي، وبعد جلسة تحدّث فيها عن حياته ومعرفته لبعض أعلام تونس المرموقين المشهورين، وإقبال بعض رجال صفاقس على الاستعارة من مكتبته، لم تطب نفسه بتلبية رغبتي وبّل ظماء شوقي لصغر سني، وكان هذا الرجل - رحمه الله - صعب المراس، ملتوي التفكير.

وقد استمر هذا الاتجاه ينمو كلما تقدمت بي السن واتسع الاطلاع إلى أن دار بخلدي جمع تراجم المؤلفين التونسيين فشرعت في هذا العمل في 27 جويليه 1964 وأنجزت مجموعة من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015