إلى المشرق إلا في عصور الفتن والاضطرابات. وهذه الرحلات لها أثرها في انتقال مؤلفات المغاربة إلى المشرق، ومؤلفات المشارقة إلى المغرب، وما يتبع ذلك من تلقيح لمناهج التدريس، وأساليب التأليف، ومن توفر المادة، وتعدد المصادر أمام الباحثين والدارسين.

وفي صدر العصر الحفصي رحل أبو القاسم بن زيتون إلى مصر مرتين، وأدرك تلامذة ابن خطيب الري فخر الدين الرازي، فأخذ عنهم واقتبس مناهجهم في التدريس القائمة على حرية الجدل والمناقشة، ومهر في العقليات والنقليات، ومال إلى الاجتهاد في الفقه، وهو أول من درّس بتونس تآليف فخر الدين الرازي الأصولية ذات الأسلوب الخاص في تقرير الحقائق، وإيراد شبه الخصم كاملة، ثم مناقشتها ونقضها في هدوء واتزان مما يكسب العقل دربة على الجدل، ويقوي العارضة، ويربي نزعة الاحاطة والشمول في الدراسة والبحث. وجاء بعد ابن زيتون من المشرق أبو عبد الله بن شعيب الدكالي المغربي الذي قرأ على علماء مصر، واقتبس منهم أسلوبهم في التدريس، واستقر بتونس يدرس بها وفقا للمنهج الذي اقتبسه من شيوخه المصريين. وعن هذين الرجلين ابن زيتون والدكالي تلقى أهل تونس أسلوبهما في التدريس، واستمر متسلسلا في تلاميذهما الآخذين عنهم جيلا بعد جيل حتى انتهى إلى القاضي محمد بن عبد السلام الهواري شارح ابن الحاجب الفرعي، ومعاصر ابن راشد. هذا ما يفهم من كلام ابن خلدون (?).

وتطورت الدراسات الفقهية في هذا العهد، فبعد أن كانت مقصورة على مؤلفات القيروانيين والصقليين وغالبها يدور حول المدونة بالشرح والتعليق كتآليف أبي سعيد البراذعي، وابن أبي زيد، وأبي إسحاق التونسي، وأبي الحسن اللخمي، وابن يونس، أصبحت تعتمد أيضا على مؤلفات الأندلسيين من شروح وتعاليق على الجنبية ثم ظهر مختصر ابن الحاجب الفرعي المسمى «بجامع الأمهات» الذي لخص فيه طرق أهل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015