إلى بلدهم بهذا النوع الثمين من البخور، وسوف تغنيهم زراعته عن تكبد مشقة الوصول إلى مدرجاته. ورضي المندوبون المصريون بهذا، ولو أن هذه الشجيرات لم تنجح زراعتها في مصر نظرًا للاختلاف في التربة وفي المناخ عن بيئتها الأصلية. وليس من المستبعد أن هذه الوقائع بلغت أسماع الجنبتين في جنوب شبه الجزيرة العربية وكانت من عوامل لفت أنظارهم إلى إمكان التعامل مع مصر مباشرة مادامت هي راغبة في ذلك. وقد وجدوا في عهد تحوتمس الثالث الذي ساد مناطق واسعة من الهلال الخصيب امتدت من الشلال الرابع في السودان إلى غرب الفرات بين الشام وبين العراق، ووطد الأمن فيها، ما شجعهم على تنفيذ رغبتهم. وليس من المستبعد مرة أخرى أن بعضهم سلكوا الطريق البرية في سير طويل ومراحل متعددة حتى وصلوا إلى البلاط المصري في منف أو طيبة.

وبعد هذا العهد ظلت المناظر المصرية القديمة تصور ضمن تجار الكندر واللادن والبخور والمر الواردين إليها عن طريق البحر الأحمر وشواطئه، والذين اعتبرتهم من وجهة نظرها أتباعًا يؤدون الجزية إلى مصر، رجالًا ذوي ملامح سامية، يصلون إلى العاصمة المصرية تارة، ويقفون عند سيناء تارة أخرى، وعند بعض الموانئ المطلة على البحر الأحمر تارة ثالثة. ويتبادلون المتاجر هنا وهناك مع المندوبين المصريين. ونستطيع أن نضيف إلى ذلك ثلاثة فروض، وهي أنه ليس من المستبعد أن بعض هؤلاء التجار ذوي الملامح السامية كانوا من سكان السواحل العربية الشمالية الذين قاموا بدور الوساطة في نقل المتاجر من الجنوب العربي إلى مصر، وأن ما قام به الجنبتيون أسلاف القتبانيين من تعامل تجاري مع مصر في ذلك الزمن البعيد كانت تقوم بمثله طوائف عربية أخرى لم تعرف بعد أسماؤها القديمة، وأن ما كانوا يؤدونه من التبادل التجاري مع مصر كانوا يؤدون مثله مع الشام والعراق. وكانت سلعهم من البخور ومشتقاته تلقى الرواج الكبير هنا وهناك لكثرة استخدامها في المعابد وفي القصور، وفي المحافل والأعياد والمآثم والجنازات، وفي تركيب العقاقير، وإن زادت مصر فاستخدمتها كذلك بكثرة في عمليات التحنيط التى اشتهرت بها. وكانت الشعوب المستهلكة لهذه المنتجات الثمينة تنتج بعضها في أرضها أحيانًا، وتستورد بعضها من المناطق الأفريقية التى تنتجها، ولكن يبدو أن أفضل أنواعها هو ما كانت تسورده مباشرة أو عن طريق الوسطاء من مدرجات الجنوب العربي بالذات ولهذا عادت تجارته على أصحابه بأرباح وفيرة.

وقد استشهدنا من قبل برأي ألبرايت وغيره من أن احتمال استخدام الإبل في عمليات النقل والتنقل منذ القرن الثاني عشر ق. م أو نحوه قد زاد من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015