الفصل الثالث: تمهيد في جنوب شبه الجزيرة العربية

مدخل

...

الفصل الثالث في جنوب شبه الجزيرة العربية

تمهيد:

قدمنا بما يحتمل من قيام نشاط عمراني داخلي قديم في بعض مناطق شبه الجزيرة العربية، وقيام نشاط اقتصادي مناسب للتعامل به في داخلها ومع ما في خارجها معًا، وذلك حتى عندما كان أهلها لا يزالون يتألفون من وحدات صغيرة وقبائل متفرقة، ومن قبل أن ينشئوا دولًا سياسية مستقرة بفترات طويلة، ويكفي هنا من القرائن التى تزكي هذا الاحتمال في إيجاز عثورنا على نص مصري قديم يسجل وصول وفد من بحار جنبتيين بمتاجرهم من اللادن والكندر والمر والبخور إلى مصر في العام 32 من عهد الفرعون تحوتمس الثالث (أي في حوالي عام 1458 ق. م.). وكان الجنبتيون أو الجبانيتاي كما ذكرهم بعض المؤرخين الإغريق والرومان فيما بعد، عشائر نشطة من العرب القتبانيين في جنوب شهبة الجزيرة العربية. وحدث قبل وصول هذا الوفد إلى مصر أن اعتزم رجال البحرية المصرية في عام 1482 ق. م. خلال عهد الملكة حاتشبسوت التى سبقت الفرعون تحوتمس الثالث في الحكم، أن يصلوا بأسطولهم التجاري إلى مدرجات الكندر في الجنوب العربي ليتعاملوا مع تجارها مباشرة ويوفروا بذلك تكاليف الوساطة والوسطاء بينهما. وقد اعتبروا هذه المدرجات من أرض الله التى وقفها على تزويد معابدهم بأطايب البخور، وأملوا خيرًا في أن يهديهم ربهم إلى طرق البحر والبر المؤدية إليها. ولكن وسطاء التجارة من سكان منطقة بوينة (أو بونت) على الشاطئ الأفريقي للبحر الأحمر قرب نواحي الصومال أو إريتريا الحاليتين، خشوا أن يفقدوا مكاسبهم فبالغ أميرهم أمام المندوبين المصريين حين وصلوا إلى أرضه في تصوير استحالة عبور مضيق باب المندب المؤدي إلى مدرجات الكندر (في الجنوب العربي) وصعوبة اختراق ما ورائه من طرق برية، وادعى أن أحدًا لم يجرء على ذلك منذ أيام رع. ثم أرضى المندوبين المصريين بأن استورد من أجلهم 31 شجيرة من أشجار الكندر العربي الثمين حتى يزرعوها في حدائق معبد آمون المدرجة في مدينة طيبة ما داموا حريصين على أن يعودوا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015