أنظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر

وقول بان طباطبا:

أما والثريا والهلال جلتهما ... لي الشمس إذ ودعت كرها نهارها

كأسماء إذ زارت عشاء وغادرت ... دلالا لدينا قرطها وسوارها

وإذا علم أحوال الحسن, علم أحوال خلافه بالتقابل, فيقابل السليم عن الابتذال المبتذل العامي كما مر من تشبيه السواد بالفحم والبياض بالثلج ويقابل ما ارتفع عن أذهان العامة إدراك وجهه ما هو ظاهر يدركه كل أحد نحو زيد كالأسد, ويقابل البعيد القريب المبتذل, كتشبيه العنبة الكبيرة السوداء بالإجاصة في الشكل والمقدار, والجرة الصغيرة بالكوز كذلك. وهذا يقابل الخامس أيضاً وهو تشبيه المحسوس بالمعقول, لأن وجه الحسن فيه غرابته وبعد تناوله, لا تشبيه المعقول بالمحسوس, ويقابل المستحلى عند الذوق المكروه الذي ينفر عنه الطباع.

كقول النابغة:

نظرت إليك بحاجة لم تقضها ... نظر المريض إلى وجوه العواد

فان الأصمعي عاب عليه هذا التشبيه بين يدي الرشيد فقال: يكره تشبيه المحبوب بالمريض.

وقول أبي محجن الثقفي:

ترجع العود أحيانا وتخفضه ... كما يظن ذباب الروضة الغرد

فانه ما زاد على أن شبه هذه المطربة بالذبابة.

وقول جعفر المصحفي:

صفراء تطرق في الزجاج فإن سرت ... في الجسم دبت مثل صل لاذع

قال الثعالبي: لم يحسن في تشبيه دبيب الخمر في جسم شاربها بدبيب الحية اللاذعة, بل تباغض, ومن يعجبه دبيب الحية في جسمه؟.

قلت: وأين هو عن قول أبي نواس:

وتمشت في مفاصلهم ... كتمشي البرء في السقم

ومثله قول ابن عون في الخمرة الممزوجة:

وتزيد من تيه عليه كأنها ... عزيزة خدر قد يحبطها المس

فان بشاعة هذا التشبيه مما تنفر عنه الطباع, ومن الذي يطيب له أن يشرب شيئا يشبه زبد المصروع.

قالوا: ومن التشبيه المستبشع قول الآخر:

أن شقائق النعمان فيه ... ثياب قد روين من الدماء

فإن الثياب المضرجة بالدماء مما تعاف الأنفس رؤيتها.

وانتقدوا على الحاجري قوله:

وما اخضر ذاك الخد نبتا وإنما ... لكثرة ما شقت عليه المرائر

فان شق المرائر على خد المحبوب مما تشمئز منه القلوب. قالوا: ما زاد على أن جعل خد محبوبه مسلخا.

وما اكتفى الآخر بشق المرائر على خد محبوبه حتى سفك عليها الدماء فقال:

وما احمر ذاك الخد واخضر فوقه ... عذارك إلا من دم ومرائر

وما أحسن قول الصنوبري في شق المرارة:

أتت في لباس لها أخضر ... كما لبس الورق الجلناره

فقلت لها ما اسم هذا اللبا ... س فأدت جوابا لطيف العبارة

شققنا مرارة قوم به ... فنحن نسميه شق المراره

هذا إذا لم يكن الغرض من التشبيه التشويه والتنفير. أما إذا كان غرض المتكلم التنفير فلا يستهجن ذلك, وكذلك إذا كان الغرض الهجو فانه لا يستهجن فيه ما يستهجن في الغزل.

كما قال الثعالبي في قول الرقي:

لقد جل حظي في التي رق خصرها ... وأسهر جفني جفنها وهو نائم

إذا كان أصداغ الخدود عقاربا ... فإن ذوابات الرؤوس أراقم

هذا البيت صعب عندي إذ جمع بين العقارب والحيات في الغزل, والطبع يأنف منها, ولو كان في الهجاء كان جيدا.

كما قال ابن الرومي في هجاء قينة:

فقرطها بعقرب شهرزور ... إذا غنت وطوقها بأفعى

وأما أحوال القبول فهي أن يكون التشبيه وافيا بأداء الأغراض المتقدم ذكرها, بان يكون المشبه به أعرف بالوجه إذا قصد بيان حال المشبه, ومع العلم به مساويا له إذا قصد بيان مقداره, ومسلم الحكم إذا قصد بيان إمكان وجوده, وأتم معنى فيه إذا أريد زيادة التقرير, أو إلحاق الناقص بالكامل, أو قصد الترغيب أو التعبير, ونادر الحضور إذا قصد غرابته واستطرافه كما مر. والمردود بخلافه.

قال الزنجاني: ومن فساد التشبيه أن يكون منكوسا كقول الفرزدق:

والشيب ينهض في الشباب كأنه ... ليل يصيح بجانبيه نهار

فذكر أن الشيب يبدو في الشباب, ثم ترك ما ابتدأ به, ووصف الشباب بأنه كالليل والذي تقتضيه المقابلة الصحيحة أن يقول: كمنا ينهض نهار في جانبي الليل. انتهى.

قلت: وقريب من ذلك قول الصلاح الصفدي في تشبيه إشراق القمر من خلال الأغصان:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015