كأنما الأغصان لما انثنت ... أمام بدر التم في غيهبه

بنت مليك خلف شباكها ... تفرجت منه على موكبه

قال البدر الدماميني: ظاهر عبارته تشبيه الأغصان في حالة انثنائها أمام البدر في الدجى ببنت مليك تطل من شباكها للنظر في موكب أبيها, وذلك عن مظان التشبيه بمعزل, ومقصوده أن البدر في حالة ظهوره من خلال الأغصان المنثنية على الصفة المذكورة, يشبه بنت مليك على تلك الحالة تمثيلا للهيئة الاجتماعية, لكن اللفظ لا يساعده على ذلك المطلوب, فانه جعل الأغصان مبتدأ وأخبر عنه بقوله: بنت مليك, فلم يتم له المراد.

على انه مع ما فيه مأخوذ من قول ابن قرناص الحموي:

وحديقة عناء ينتظم الندى ... بفروعها كالدر في الأسلاك

والبدر يشرق من خلال غصونها ... مثل المليح يطل من شباك

ومما عابوه من التشبيه قول ابن وزير في تشبيه الماء الجاري على الرخام:

لله يوم بحمام نعمت به ... والماء ما بيننا من حوضه جار

كأنه فوق شفاف الرخام ضحى ... ماء يسيل على أثواب قصار

وإياه عنى ابن الذروي بقوله:

لشاعر أوقد الطبع الذكاء له ... فكاد يحرقه من فرط الذكاء

أقام يجهد أياما قريحته ... فشبه الماء بعد الجهد بالماء

وبلغ الآخر من السخافة أقصى غاياتها حيث قال:

كأننا والماء من حولنا ... قوم جلوس حولهم ماء

وقد يتصرف في التشبيه القريب المبتذل بما يجعله غريبا, ويخرجه من الابتذال, كقول أبي الطيب:

لم تلق هذا الوجه شمس نهارها ... إلا بوجه ليس فيه حياء

فان تشبيه الوجه الحسن بالشمس قريب مبتذل, لكن حديث الحياء أخرجه نم الابتذال إلى الغرابة, لاشتماله على زيادة دقة وخفاء.

ومثله قول الآخر:

إن السحاب لتستحي إذا نظرت ... إلى نداك فقاسته بما فيها

وكقول رشيد الدين الوطواط:

عزماته مثل النجوم ثواقبا ... لو لم يكن للثاقبات أفول

وقول البديع الهمذاني:

وكاد يحكيك صوب الغيث منسكبا ... لو كان طلق المحيا يمطر ذهبا

والبدر لو لم يغب والشمس لو انطلقت ... والأسد لو لم تصد والبحر لو عذبا

فان الشروط المذكورة أخرجت التشبيهات المبتذلة إلى الغرابة. وهذا يسمى التشبيه المشروط, وقد يتصرف في القريب الإجمالي بما يخرجه إلى الغريب التفصيلي.

كقول ابن بابك:

ألا يا رياض الحزن من أبرق الحمى ... نسيمك مسروق ووصفك منتحل

حكيت أبا سعد فنشرك نشره ... ولكن له صدق الهوى ولك الملل

فان تشبيه نشر الرياض بنشر الممدوح قريب إجمالي, ولكن ادعاء كونه مسروقا من نشر الممدوح, والاستدراك المذكور, أخرجه إلى الغرابة والتفصيل.

ومثله قول الآخر:

فو الله ما أدري أزهر خميلة ... بطرسك أم در يلوح على نحر

فإذا كان زهرا فهو صنع سحابة ... وإن كان درا فهو من لجة البحر

فإذا نظرت إلى تشبيه الخط الحسن بالزهر والدر, كان قريبا إجماليا, وإذا قيد بقوله: خميلة, المفيدة لنضارة الزهر الموجبة لزيادة الحسن, وقوله: على نحر, المفيد لملاحظة بياض الطرس خرج إلى الغرابة والتفصيل, لكن يقرب تعاطيها, فإذا أخذ معهما معنى حسن التحليل الذي يلوح من قوله: صنع سحابة, ولج البحر, بعدا وزاده في الحسن.

وقد يعتبر الحسن بالجمع بين عدة تشبيهات, وإن كان كل واحد منها منفردا غير مستحق للتحسين, لأن الواحد منها قد يسبق إليه كل ذهن, وأما الجمع بينها فيتوقف على فكر وهو على نوعين: أحدهما, أن يؤتى لمشبه واحد بتشبيهات كثيرة كقول البحتري:

كأنما يبسم عن لؤلؤ ... منضد أو برد أو أقاح

الثاني, أن تؤخذ أعضاء أو أحوال الشخص, فيشبه كل منها بشيء على الترتيب كقول ابن سكرة:

أنا من خده وعينيه والثغ ... ر ومن ريقه البعيد المرام

بين ورد ونرجس وتلالي ... أقحوان وبابلي المدام

الفصل الخامس في الأداة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015