يعتورها الغموض، وما هي مهمة الباحث إذا لم يحاول تحليل الوقائع؛ ليستخلص منها النتائج حتى يصل إلى الحقيقة فيما يعالج من القضايا التاريخية؟

لقد قام الأمير عثمان بن معمر بمؤازرة الشيخ، فقطع الأشجار التي يعظمها الجهال، وهدم ما بني على القبور، ونفذ أحكام الشريعة، ويظهر أن أهل بلاده لم يكونوا كلهم على وفاق معه، فابن بشر يذكر أنه اجتمع مع الشيخ نحو سبعين رجلا منهم من رؤساء المعامرة - أي استجابوا للدعوة - وأن الشيخ لما أراد هدم قبة زيد بن الخطاب رضي الله عنه أراد أهل الجبيلة - وهي من بلاد عثمان - أن يمنعوه من هدمها، فسار معه عثمان بنحو ستمائة رجل، فلما رأوه قد عزم على حربهم إن لم يتركوه يهدمها خلوا بينهم وبينها.

ولقد استمر عثمان في تقبل آراء الشيخ وتنفيذها، تقبل المؤمن بها إيماناً صادرا عن يقين بصدقها، لا عن رغبة في أمر، ولا عن رهبة من أحد، وكما قال الشيخ حسين بن غنام1: (تلقاه بالقبول والمناصرة، وأكرمه غاية الإكرام، وألزم الخاصة والعامة أن يمتثلوا أمره، ويقبلوا قوله) ، فما الذي جرى له حتى غير موقفه؟! قال ابن بشر2: - بعد أن ذكر بلوغ أخبار الشيخ حاكم الأحساء سليمان بن محمد: (فأرسل إلى عثمان كتاباً يتهدده فيه إن لم يقتل الشيخ أو يخرجه من بلده، وأنه إن لم يفعل قطع خراجه) ثم أشار إلى أن عثمان تردد في الأمر، فأثر عليه جلساء السوء - وإذن فلدى عثمان من خاصته من لم تباشر دعوة الشيخ قلبه - وقال: (فأرسل إلى الشيخ ثانياً وقال له: إن سلمان أمرنا بقتلك، ولا نقدر إغضابه ولا مخالفة أمره؛ لأنه لا طاقة لنا بحربه، وليس من الشيم أن نؤذيك في بلدنا مع علمك وقرابتك) ، وذكر أنه أرسل مع الشيخ حراساً إلى أن بلغ الدرعية.

كان صاحب الأحساء ذا نفوذ واسع في عهده، ولهذا استعان به أعداء الشيخ، ممن وصفهم ابن غنام بقوله 3: (فلما أعياهم رد ما أفحمهم به الشيخ من حجج، عدلوا إلى ردها بالمكر والحيلة) وهو يقصد أعداءه من أهل نجد الذين ألبوا عليه أقوى حاكم ذي نفوذ وسلطة في هذه البلاد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015