فالشاعر جعل من القلم شخصًا يحسّ ويتألم ويتحمَّل الأمانة ويدافع عنها في سبيل الحق والقيم، إنه إنسان عاقل له رسالة يؤديها في الحياة كالشاعر تمامًا، ولولا أنَّ القلم لا يدخل في مظاهر الطبيعة لقلنا بأن القصيدة من شعر الطبيعة؛ لما فيها من تشخيص قوي نابض، وهذه أهم سمات الوصف عند السنوسي.

ثامنًا: الرثاء:

والرثاء هنا يسير على النمط التقليدي القديم غالبًا، على العكس من القصائد التي رثي بها الشاعر الملك فيصل في "وا فيصلاه" فقد غلب على القصيدة معالجة القضايا الإسلامية والعربية، ولذلك أدخلتها في غرض الشعر الإسلامي.

وكذلك قصيدة "العقاد العملاق"، فقد أخضعها السنوسي بموهبته الشعرية وثقافته الواسعة إلى شعر الحضارة والفكر التقدمي المعاصر، لذلك أدخلتها في شعر الحضارة كما سبق.

أما غرض الرثاء فيظهر عنده في "القلائد" مثل قصيدة "دمعة وفاء ص208-211" في ذكرى الفقيد محمد سعيد بامهير، الذي كانت حياته في جازان مثلًا رائعًا للتضحية في سبيل الوطن، ونموذجًا ساميًا من التفاني في خدمة الصالح العام.

وقى "الينابيع" قصيدة "أبو حسن ص63-66" يقول الشاعر في مقدمتها "دمعة حزن وأنه أسى على فقيد الأدب والنبل والشهامة والمعالي المرحوم الشيخ محمد سرور الصبان، الذي وافته المنية في القاهرة بتاريخ 2/ 2/ 1391هـ" يقول:

"أبا حسن" لا الحزن يجدي ولا الدمع ... وإن كان في قلبي لوقدهما لذع

تصاممت لما قيل مات "محمد" ... سرور قلوب كم به جبر الصدع

فلما تبينت الحقيقة لم أجد ملاذًا ... سوى ما سنه الله والشرع

إلى الله إنا راجعون وكلنا ... سيذهب لا فرد سيبقى ولا جمع

أبا حسن ما العمر إلا مسافة ... من المهد حتى اللحد غايتها القطع

مشيت إليها في أناة وحكمة ... بخطو رصين لا غبار ولا نقع

وكنت المجلي سيرة وشمائلًا ... يهيم بها الرائي ويعشقها السمع

مضيت كما يمضي الشجاع مخلفًا ... وراءك ذكرًا دونه الومض واللمع

وأنت العصامي الذي شاد مجده ... بنفس لها في كل مكرمة صنع

تساميت حتى بات كل مثقف ... يجلك إجلال الهوى والهوى طبع

يرى فيك أخلاق الكرام تجسمت ... ممثلة يزهو بها الأصل والفرع

أبا حسن غاض السرور الذي جرى ... على كل قلب من تدفقه نبع

وضوع روض كان في كل مهجة ... بك اتصلت يندي بها النبت والزرع

طور بواسطة نورين ميديا © 2015