وهكذا إلى نهاية القصيدة في وصف محاسن الممدوح الشخصية وشمائله التي اتصف بها في حياته، وعصاميته التي شاد بها مجده وخلقه الكريم الذي يتسامى به الأصل والفرع، وغيرها من الصفات التي لا يجدي على صاحبها الحزن ولا يرده الدمع، ولا يجبر الصدع، وليس أمام الإنسان إلَّا أن يلوذ بربه ويرجع، ويصير ولا يجزع، فالبقاء لله وحده سبحانه، وهذه صفات فردية تتصل بشخص المرثى، ولم يصورها الشاعر في قيم مطلقة، بل كان الحزن في الرثاء يتجه إلى شخصه لا إلى الإشادة بالقيم وتمجيدها لذاتها، كما في قصيدة رثاء الملك فيصل والعقاد وغيرهما، وعلى ذلك يكون هذا الغرض الأدبي من الأغراض القديمة التي سار فيها الشاعر على منهج القدماء في فن الرثاء.

تاسعًا: الهجاء

والهجاء عند السنوسي من الأغراض التي تناولها في شعره، لكن في ثوب جديد يخرج عن الهجاء التقليدي عند القدماء؛ لأن الشاعر لا يهجو شخصًا بعينه، ولا يهجو بألفاظ واضحة في السباب، أو صريحة في الشتم، فيهجو الانحراف الذي يخالف ما عليه المجتمع من تقاليد وعادات، ويذم التفسح الذي يخرج به عشاقه عن العرف السائد، وذلك في قصيدته "القدر الفنان" يقول في مقدمتها: "رمزنا بها إلى بعض الشباب المتفسح"1.

رأيته وهو يمشي مشي فنان ... كأنه فارس في وسط ميدان

يهز عطفيه إعجابًا بحلته ... ويمسح الشعر من آنٍ إلى آن

في "بدلة" تبرز الأعطاف ماثلة ... أركانها وزواياها "كفستان"

فقلت ماذا أرى يا قوم هل مسخت ... طباع صحبي وإخوتي وأقراني

إني أرى بينكم قردًا فكيف أرتي ... وكيف ألبستموه لبس إنسان

فقال شيخ طريف الروح يعجبه ... حبك الفكاهة في جد وإتقان

لا يا أخي إنه "قرد" مثقفة ... أخلاقه عبقري الفكر والشان

وسوف تسمع منه كل رائعة ... من البيان المصفى والنُّهَى البان

"فكان ما كان مما لست أذكره" ... من الهراء ومن إسفافه الداني

فقلت للشيخ إعجابًا بنكتته ... وبالطرافة في أسلوبه القاني

القرد قرد وإن رقت شمائله ... وإن تعلم نطق الإنس والجان

تراه يرقص في جد وفي هزل ... ليضحك الناس منه مثل "طرزان".

يلغو ويلهو ويأتي من عجائبه ... بالمضحكات كأحلى قرد فنان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015