ولا يحس، بل نثرًا يقوم على توقيعات جامدة، أشبه بالمثنى الذي لا يثير انتباهًا، ولا يوقظ حسنًا.

أما إيقاع الشعر فهو كرقص الغادة، تعزف بسيقانها موسيقى شجية تثير المشاعر، وتستلهم الوجدان؛ لأن الشعر هندسة كبرى، وانسجام بين الألفاظ بعضها مع البعض الآخر، وترابط بينها وبين معانيها.

بينما الشعر الحر يقوم على حشد الألفاظ بلا روابط، وانسجام بين إيقاعاتها ومعانيها بما يتجافى مع طبيعة الشعر ومنطق العقل؛ لأنه غريب على الذوق العربي الأصيل، يحمل في طياته سمات الغرب، وينزف بدم "اليوت" لا بسمات الشرق ونشره الفواح الذي يعبق الدنيا بطيب "بشار بن برد"، فالشعر الحر ثرثرة وهذر وغثاء لا روعة فيه ولا جمال، ولا رواء ولا إكبار، وإذا كان للشعراء من دور لا بُدَّ منه في التجديد، فليتسابقوا ويتنافسوا إلى التجديد في المنهج والمضمون، لا في اللغو والعبث، وليتباروا في المعاني البكر والأفكار الجادة البناءة، لا في هدم مباني الشعر، وتمزيق طبيعته، ليكون الشعر جنديا، يدفع بالأمة إلى الحضارة والرقي في عزم وشجاعة وقوة، لنحافظ على الأصالة العربية الإسلامية، ونترفع عن التقليد الأعمى للغرب في كل شيء، بما لا يتناسب مع الروح الشرقية وعراقتها، فقد كان الشعر ولا زال نارًا ونورًا، وينبغي أن يكون كذلك؛ لأن الإنسان لا يزال يعشق نور العلم، ويدفع عن نفسه بنار الحرب، فكثيرًا ما أعطى الشعر، ولا يزال يعطي الشاعر لأمته لبناء الأخلاق والأجيال، أكثر مما تعطيه الأرض من الطعام والشراب فهما معًا قوام الحياة وركيزة الحضارة الإنسانية.

وبهذا يحافظ السنوسي في مذهبه الأدبي على الأصالة العربية الإسلامية في شعره كما رأينا، وهو في نفس الوقت يعشق التجديد في المضمون والمعاني والأفكار، والمغازي والأغراض، والخيال والصور، وسبق الحديث عن التجديد في الأغراض، فقد لبست معظمها ثوبًا جديدًا قشيبًا في معانيها ومضامينها وغايتها ومغزاها، وسنتحدث عن التجديد في الخيالات والصور الأدبية في مجال التصوير الأدبي.

التشخيص في التصوير الأدبي:

خيال السنوسي بعث الحياة في المعاني والمجردات، وحرك الأفكار والجمادات في صور أدبية حية تموج بالحركة والحياة، وتنبض بالحيوية والقوة. وتشع منها الألوان والأضواء والظلال، وترتسم في شكل يتناسب مع طبيعة الغرض، وحجم يتفق مع المغزي وغير ذلك من عناصر التصوير الأدبي الغني بالخيال الخصيب العميق.

فالجبل "فيفاء" ليس صخرًا ولا حجرًا، ولا ترابًا ولا مدرًا، ولكنه بخيال الشاعر إنسان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015