قويّ يتحدى العواصف والزلازل، وشجاع شامخ يصاول العوالي والمعالي، يترفَّع عن الأرض وهو منها وعليها، ليعشق النجوم في السماء وهو غريب عنها وتحت ظلالها، ويزاحم في ذلك كواكب السماء وهم أحق وأجدر بمن في الأرض.

مهابته مشرئبة في صلف وغرور، وشموخ وكبرياء، قد تجلت هامته بالخضرة اليانعة، وتعممت بالزهور الفواحة، وهكذا يكون دور الخيال في التشخيص وبعث الحياة وبث الروح يقول السنوسي:

"جبل" تعشق النجوم مجاليه ... وتصبو إلى ذراه العوالي

يزحم النيرات منكبه الضخم ... ويحتله بالسها والهلال

مشرئب إلى السماء برأس ... صلف في شموخه متعال

أخضر السفح أزهر السطح مصقول ... الحواشي زاهي الربى والتلال1

فعناصر التصوير الأدبي تظهر في الحركة المتجددة في استمرار من استعمال الفعل المضارع "تعشق - تصبو - يزحم - يحتك" الذي يدل على الحدوث والمستقبل والاستمرار، وتظهر في الألوان الزاهية: في خضرة المجالي وذرى المعالي والسفح الأخضر، والسطح الأزهر، وصقل الحواشي، وزهو الربى والتلال، ولمعان السها، وبريق الهلال، وتظهر في حجم الجبل فهو ضخم من الرواسي يتربَّع على الأرض متطلع إلى المعالي وإلى السماء، وتظهر في شكل "فيفا"، فهو إنسان لا جبل له منكب يشرئب برأسه في شموخ وتعال وكبر وصلف وغرور قد تعممت هامته بالخضرة وفاحت منها نشر الزهور، وهكذا أحكمت الصورة الأدبية بعناصر التصوير الشعري التي تثريها بالألوان والأضواء والحركة والحجم والشكل2.

أما ليل السنوسي في الريف غير الليل في المدن، فهو ملك ضافي الجناحين يضم الحياة والأحياء في دفء وحنين، يسري إلى النفس ليداعب العينين بالنوم، وهو فيلسوف في سكونه ووقاره، يتأمَّل ويتدبر أحوال الناس فيطرق عجبًا وخجلًا من هفواتهم، وهو شاعر عبقري سابح في وحيه وإلهامه، لا يدري عن عمره شيئًا، وهو طاهر متجرد عن المفاسد والمعاطن، وعاشق ذاب غارقًا في حبه، لا يعنيه شيء كان أو لم يكن، وهو صامت يحلق بالأرواح في العالم الغني بالجمال، يسري هدوؤه وسجوه بين الأحشاء في نعومة وصفاء، ليؤلف بين روح السماء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015