والحياة شديدة الخصب في توالدها، حتى انها تعول نفسها، وتطعم من فائضها، ومع ذلك تضبط جميع الكائنات الحية، لتمنع أي مخلوق من مخلوقاتها، من ان يطغى على العالم، فالجراد مثلا لو بقى دون ضابط استطاع في بضع سنين ان يلتهم كل زرع اخضر، وعندئذ تنتهي حياة كل حيوان فوق الارض.

والحياة مثالة، تشكل الكائنات الحية، وهي فنانة، تختط كل ورقة في كل شجرة، وتلون الازهار، والتفاح، والغابات، وريش عصافير الجنة. وهي موسيقية، علمت كل طير كيف يشدو بأغاني غرامه، وعلمت الحشرات كيف ينادي بعضها بعضا بموسيقى اصواتها المتعددة، وهذه الأصوات، سواء أكانت تفيق الضفدعة في الربيع، ام قرق الدجاجة بين صغارها، أم زئير الاسد في صولته، ام تبويق الفيل، تشمل كل (برج النغم) للاحاسيس، ولا يفوقها سوى صوت الإنسان في مرونته المدهشة.

والحياة قد جعلت الإنسان وحده سيداً على تموجات الصوت مجتمعة وزودته بمادة انتاجها: فالمزمار والبوق، والقيتار، وكذا شعر الخيل، والشمع، الذي يمسح به قوس الكمان، ورجع الصدى من قيثارة الأوركسترا المصنوعة من الخشب، والصوت المنخفض المزدوج الذي هو كصوت الخنزير، وطرقة الجلد على الطبل، كل أولاء مدينة بالفضل للحياة!

والحياة مهندسة، فهي التي وضعت تصميم سيقان الجندب (النطيط) والبرغوث، والعضلات والروافع، والمفاصل، والقلب الذي يخفق دون كلل، ونظام الاعصاب الكهربية لكل حيوان، والدورة الدموية الكاملة لكل كائن حي. وهي تصميم الهندباء البرية ثم تزخرف بذورها في (شرابات) يحملها كل نسيم. والحياة تشكل الازهار، وترغم الحشرات على ان تحمل اللقاح من عضو التذكير إلى عضو التأنيث.

والحياة كيموية، فهي التي تهب المذاق للفواكه والتوابل وتهب العطر للورد والحياة تركب مواد جديدة لم تجهزها الطبيعة بعد، لموازنة عملياتها والقضاء على الحياة المغيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015