الفصل الخامس: ما هي الحياة

الحياة باقية، وقد استمرت بعد العصور الاولى، والعصور الجيولوجية، وظهرت قارات وغرقت اخرى، وان المحيطات العتيقة، والبحار الضحلة، لتزخر كلها بالحياة، وان الحياة لتسر غورها وتتخلل الامواج المتلاطمة، وتنفذ في رمال كل شاطئ.

وقد مضيت الحياة قدما حيث تراجع كل عصر من عصور الجليد، وقاومت كل تقدم للمناطق الباردة، قوية مظفرة. وقد ارتفعت الجبال من الأرض ذات الغصون، وانشق السطح واهتز مع كل زلزال. وتفتتت قمم الجبال الشاهقة خلال ملايين السنين، وبان اثر ذلك في طبقات بعضها فوق بعض، وغمر ماء البحار قارات، وصار غرين (طمي) الأراضي القديمة يغطي قاع كل محيط وكأنه كفن ولكن استمرت الحياة بعد ذلك كله.

والحياة تستخدم ذرات الارض، وتخلق عجائب جديدة طبقا لقوانين الكون، ولكنها في تقدمها تخلف وراءها كل صغيرة لمستها، وان (صخور دوفر البيضاء) ، المكونة من الطباشير والجير والحجر الصوان، لتقص علينا قصة الحيوانات الرخوة والنباتات المائية والمخلوقات البحرية التي لا عدد لها، في خلال الدهور، وان الغابات الحية، والفحم والزيت والغاز، لتدلنا على نشاط العلم القديم الذي تلقت فيه الحياة طاقة الشمس، واحالها الإنسان ناراً. وان هذه التركة لتفوق في قيمتها كل ثروة اخرى، لانها رفعت الإنسان عن مرتبة الحيوان. ومن بين أتون بدايات القشرة الارضية، حيث كانت كل مادة تستحيل جمرة أو رمادا، استخدمت الحياة طاقة الشمس، ومزقت ذرات الماء المتحدة، وفصلت الكربون البليد من الأوكسجين وحولته إلى ثاني اوكسيد الكربون، وخزنت في الأرض وفوق سطحها، الموارد الوحيدة النار. ومن النار قام المثوى وجميع أدوات المدنية، وكل ذلك لان الحياة تلقفت وحفظت كل القوى التي أطلقتها الشمس.

وقد تغلبت الحياة على الظروف المتغايرة للماء والأرض والهواء، ولا تزال ماضية في طريقها في شكل نبات وحيوان. ومن الأميبا (?) صاعدا إلى السمك والحشرات وذوات الثدي وطيور الجو، أو نازلا إلى الجرثومة والميكروب والبكتريا وكذا النباتات التي لا حصر لها، وسواء في شكل خلية أو سمكة قرش، أو عنكبوت أو ديناصور، أو انسان، أو زرع - فان الحياة تهيمن على العناصر، وترغمها على حل تركيباتها، والاتحاد من جديد على اساس صلات اخرى، والحياة تاتي بمخلوقات في صور شتى من صور السلف، وتمنح هذه الصور القدرة على تكرار انفسها على مدى اجيال لا حد لها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015