الزهره (صفحة 20)

صفحتُ برغمِي عنكَ صفحَ ضرورةٍ ... إليكَ وفي قلبِي ندوبٌ منَ العتبِ

خضعتُ وما ذنبِي إنَّما الحبُّ عزَّنِي ... فأَغضيتُ ضُعفاً عنْ معالجةِ الحبِّ

وما ذاكَ بِي فقرٌ إليكَ مُنازعٌ ... يُذلِّلُ منِّي كلَّ ممتنعٍ صعبِ

إلى اللهِ أشكُو أنَّ ودِّي مُضيَّعٌ ... وقلبِي جميعٌ عندَ مقتسمِ القلبِ

وقالت امرأة من الأعراب:

بنفسِي وأهلِي مَن لَوَ انِّي أتيتهُ ... علَى البحرِ فاستسقيتُهُ ما سقانِيَا

ومَن لوْ رأَى الأعداءَ ينتَضِلونَنِي ... لهمْ غرضاً يرمونَنِي لرَمانِيا

ومَن قدْ عصيتُ النَّاسَ فيهِ جماعةً ... وصرَّمتُ خُلاَّني لهُ وجفانِيَا

فيا أخويَّ اللائِمَيَّ علَى الهوَى ... أُعيذُكما باللهِ منْ مثلِ ما بِيَا

سألتُكُما باللهِ لِمَّا جعلتُما ... مكانَ الأذَى واللَّومِ أنْ ترثيا لِيَا

ولا تغْفَلا إنْ لامَنِي ثَمَّ لائمٌ ... ولو سخطَ الواشونَ أنْ تعذُرانِيا

فأُقسمُ لو خُيِّرتُ بينَ فراقهِ ... وبينَ أبِي اخترتُ أنْ لا أبا لِيَا

ثكلتُ أبي إنْ كنتُ ذُقتُ كريقهِ ... لشيءٍ ولا ماءً منَ المزنِ صافِيَا

وقال كثيّر:

وقائلةٍ دعْ وصلَ عزَّةَ واتَّبعْ ... مودَّةَ أُخرى وابلُها كيفَ تصنعُ

أراكَ عليها في المودَّةِ زارِياً ... وما نلتَ منْها طائلاً حيثُ تسمعُ

فقلتُ ذَريني بئسَ ما قلتِ إنَّني ... علَى البخلِ منها لا علَى الجودِ أتْبعُ

وقال البحتري:

أميلُ إليكَ عنْ ودٍّ قريبٍ ... فتُقصيني علَى النَّسبِ البعيدِ

فما ذنبي بأنْ كانَ ابنُ عمِّي ... سواكَ وكانَ عودُكَ غيرَ عودي

وفي عينيكَ ترجمةٌ أراها ... تدلُّ علَى الضَّغائنِ والحُقودِ

وأخلاقٍ عَهدْتُ اللِّينَ فيها ... غدتْ وكأنَّها زُبرُ الحديدِ

وقد عاقدْتَني بخلافِ هذا ... وقال الله أوْفوا بالعقودِ

وما ليَ قوَّةٌ تنهاكَ عنِّي ... ولا آوي إلى رُكنٍ شديدِ

سأرحلُ عاتباً ويكونُ عتبي ... علَى غيرِ التَّهدُّدِ والوعيدِ

وأحفظُ منكَ ما ضيَّعتَ منِّي ... علَى رَغمِ المُكاشحِ والحسودِ

هذا الكلام وإن كان فيه شيء من التَّواضع والاستكانة فإنَّ فيه ضرباً من الضَّجر الدَّاعي إلى الخيانة لأنَّ صاحبه لم يصبر على التَّذلُّل نفسه على ما صبر عليه من بدأنا بذكره.

وفي نحو هذا المعنى قول الآخر:

فإنْ يكُ هذا منكَ جدّاً فإنَّني ... مُداوي الَّذي بيني وبينكَ بالهجرِ

ومُنصرفٌ عنكَ انصرافَ ابنِ حرَّةٍ ... طوى ودَّهُ والطَّيُّ أبقى علَى النَّشرِ

وفي مثله يقول البحتري:

وكنتُ أرى أنَّ الصُّدودَ الَّذي مضى ... دلالٌ فما إنْ كانَ إلاَّ تجنُّبا

فوا أسفا حتَّامَ أسألُ مانِعاً ... وآمنُ خوَّاناً وأُعتبُ مُذنبا

سأثْني فؤادي عنكِ أو أتبعُ الهوَى ... إليكِ إنِ استعصى فؤادي أوْ أبى

وأنشدني أحمد بن أبي طاهر لنفسه في نحوه:

ما لي أُقرِّبُ منكَ نفسي جاهداً ... وأراكَ منِّي جاهداً تتباعدُ

قدَّمتَ دونَ أخيكَ من هو دونهُ ... وعندْتَ عنهُ وهوَ منكَ يُعاندُ

أيأستني بعدَ الرَّجاء فمنْ ترى ... يرجوكَ بعدي أوْ عليكَ يُحاسدُ

أمْ كيفَ يأملُ منكَ يوماً صالحاً ... أحدٌ ورأيكَ فيَّ رأيٌ فاسدُ

وقال ابن حازم في نحو ذلك:

لا ترضَ عيشاً علَى امتهان ... ولا تردْ وصلَ ذي امتنانِ

أشدُّ منْ عَيلةٍ وفقرٍ ... إغضاءُ حُرٍّ علَى هوانِ

إذا نبا منزلٌ بحُرٍّ ... فمنْ مكانٍ إلى مكانِ

وهؤلاء كلُّهم ومن جرى في هذا القول مجراهم إنَّما يتضاجرون على خلاَّنهم لثقلهم إيَّاهم عن عاداتهم ومنعهم إيَّاهم ما استعبدوه من مواصلاتهم لتغلُّب الحيرة على قلوبهم يحسبون أنَّ انحرافهم عن أحبابهم أقلُّ أذًى عليهم من الصبر لهم على محبَّاتهم ولو قد أنفذوا ما عزموا عليه من الفراق والهجر لشاهدوا ما يضطرُّهم إلى الرُّجوع بالصِّغر والتَّوسل إلى الصَّفح بالعذر ما لم يسمع الَّذي يقول:

مزحتَ بالهجرِ ولا علمَ لي ... أنَّكَ مُشتاقٌ إلى الهجرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015