الزهره (صفحة 19)

قد ذكرنا أن تقصير المحبوب عن مواصلة محبّه وتراخيه عن إظهاره على كل ما له في قلبه إنَّما يتولَّدان عن وقوع الثقَّة به فربَّما جهل المحبُّ على نفسه فتوهَّم أنَّ ذلك داخل في باب الخيانة والغدر فكافى عليه بالانحراف والهجر فيجني على نفسه ما لا يتلافاه العذر ولا يقاومه الصبر والحازم من صبر على مضاضة التَّدلُّل والتمس العزَّ في استشعار التَّذلُّل فحينئذ يتمكَّن من وداد محبوبه ويظفر من هواه بمطلوبه.

قال الحسن بن هانئ:

يا كثيرَ النَّوحِ في الدِّمنِ ... لا عليها بلْ على السَّكنِ

سُنَّةُ العشَّاقِ واحدةٌ ... فإذا أحببتَ فاسْتَكنِ

وقال معاذ ليلى:

عفَا اللهُ عنِي ليلَى وإنْ سفكتْ دمِي ... فإنِّي وإنْ لمْ تُجزِنِي غيرُ عاتبِ

عليها ولا مُبدٍ لليلَى شكايةً ... وقدْ يُشتكَى المُشكِي إلى كلِّ صاحبِ

يقولونَ تبْ عن حبِّ ليلَى وذكرِها ... وما خلتُنِي عنْ حبِّ ليلَى بتائبِ

وقال عمر بن أبي ربيعة:

لستُ مِن ظالمَتِي منتصِفاً ... قبَّحَ اللهُ محبّاً يَنتصفْ

وفتاةٍ أنْ تغبْ شمسُ الضُّحى ... فهيَ للنَّاسِ منَ الشَّمسِ خلَفْ

أجمعَ النَّاسُ على تفضيلِها ... وهواهمْ في سِواها مُختلفْ

وقال المؤمل:

أمنْ فقدِ الحبيبِ عيناكَ تبكِي ... نعمْ فقدُ الحبيبِ أشدُّ فقدِ

بَرانِي الحبُّ حتَّى صرتُ عبداً ... فقدْ أمسيتُ أرحمُ كلَّ عبدِ

فأُقسمُ لو هممتِ بمدِّ قلبِي ... إلى جوفِ السَّعيرِ لقلتُ مُدِّي

وقال أبو الوليد عبيد الطائي:

منِّيَ وصلٌ ومنكَ هجرُ ... وفيَّ ذلٌّ وفيكَ كِبرُ

عذَّبني حبُّكَ المُعنِّي ... وغرَّني منكَ ما يغرُّ

قدْ كنتُ حرّاً وأنتَ عبدٌ ... فصرتُ عبداً وأنتَ حرُّ

يا ظالماً لي بغيرِ جرمٍ ... إليكَ مِنْ ظُلمكَ المفرُّ

أنتَ نَعيمي وأنتَ بؤسِي ... وقدْ يسوءُ الَّذي يسرُّ

وقال آخر:

تُسيءُ بنا هندٌ ونحسنُ جهدَنا ... فحتَّى متى هندٌ تُسيءُ ونُحسنُ

وأَجبنُ عنْ تقريعِ هندٍ بذنبِها ... ولوْ غيرُ هندٍ كانَ ما كنتُ أجبنُ

وأنشدني محمد بن الخطاب الكلابي قال أنشدني ماني لنفسه:

يزيدُنِي ما استزدتُ مِن صلتهْ ... وعنْ قليلٍ يعودُ في هبتهْ

لوْ حزتُ قطرَ السَّماءِ لانهملتْ ... عليَّ ظُلماً سماءُ مَوْجَدتهْ

كمْ زلَّةٍ منهُ قدْ ظفرتُ بها ... فقامَ حبِّي لهُ بمعذرتهْ

تُفنِي اللَّيالي وعيدَهُ وأنا ... قريبُ عهدٍ بسوءِ مملكتهْ

وقال أبو تمام الطائي:

ظنِّي بهِ حسَنٌ لولا تجنِّيهِ ... وأنَّهُ ليسَ يرعَى عهدَ حُبِّيهِ

عمَّتْ محاسنهُ عنِّي إساءتَهُ ... حتَّى لقدْ حسُنتْ عندِي مساويهِ

تاهتْ علَى صورةِ الأشياءِ صورتهُ ... حتَّى إذا خضعتْ تاهتْ علَى التِّيهِ

لمْ تجتمعْ فرقُ الحُسنِ الَّتي افترقتْ ... عنْ يوسفِ الحسنِ حتَّى استجمعتْ فيهِ

وقال آخر:

مُستقبلٌ بالَّذي يهوَى وإنْ كثرتْ ... منهُ الإساءةُ معذورٌ بما صنعَا

في وجههِ شافعٌ يمحُو إساءتَهُ ... منَ القلوبِ وجيهٌ حيثُ ما شفعَا

وأنشدني بعض إخواننا:

يا مَنْ أراهُ أحقَّ بِي منِّي ... إنْ غبتُ عنكَ فلمْ تغبْ عنِّي

أغفلْتَنِي لمَّا اعتللتُ ولمْ ... يكُ ذاكَ منكَ يدورُ في ظنِّي

وأمرُّ ما ذاقَ امرؤٌ فهِمٌ ... ما جاءهُ مِن موضعِ الأمنِ

كنْ كيفَ شئتَ فما منَحْتُكَهُ ... صفوٌ بلا كدرٍ ولا منِّ

وقال كثيِّر:

أسيئِي بنا أوْ أحسنِي لا مَلولةً ... لدينا ولا مقليَّةً إنْ تقلَّتِ

أصابَ الرَّدى مَن كانَ يهوَى لكِ الرَّدى ... وجُنَّ اللَّواتي قلنَ عزَّةُ جُنَّتِ

خليليَّ هذا رسمُ عزَّةَ فاعْقِلا ... قلوصَيْكُما ثمَّ ابْكِيا حيثُ حلَّتِ

وقال آخر:

إنَّ الهوانَ هو الهوَى نقضُ اسمهِ ... فإذا هويتَ فقدْ لقيتَ هوانَا

وإذا هويتَ فقدْ تعبَّدكَ الهوَى ... فاخضعْ لإلفكَ كائناً مَنْ كانا

وقال آخر:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015