عصرهم الذي يعيشون هم فيه وحسبما يجول بخواطرهم, دون أن يحققوا أولاً الواقعة التاريخية حتى تثبت ودون أن يراعوا ظروف العصر الذي وقعت فيه الحادثة وأحوال الناس وتوجهاتهم في ذلك الوقت, والعقيدة التي تحكمهم ويدينون بها, فإنه قبل تفسير الحادثة لابد من ثبوت وقوعها وليس وجودها في كتاب من الكتب كافيًا لثبوتها (?) , لأن مرحلة الثبوت مرحلة سابقة على البحث في تفسير الواقعة التاريخية, كما ينبغي أن يكون التفسير متمشيًا مع منطوق الخبر التاريخي, وموضوع البحث, ومع الطابع العام للمجتمع, أو العصر والبيئة التي حدثت فيها الواقعة, كما يشترط ألا يكون هذا التفسير متعارضًا مع واقعة أو جملة وقائع أخرى ثابتة, كما أنه لا ينبغي أن ينظر في التفسير إلى عامل واحد -كما هو ديدن كثير من المدارس التاريخية المعاصرة- وإنما ينظر فيه إلى جملة العوامل المؤثرة في الحديث وخاصة العوامل العقيدية والفكرية ..

ثم إن التفسير التاريخي للحوادث بعد هذا كله لا يعدو كونه اجتهادًا بشريًا يحتمل الصواب والخطأ, ولقد أبرز البعض تاريخ الفرق الضالة وعمد إلى تضخيم أدوارها وتصويرها بصورة المصلح المظلوم, وبأن المؤرخين المسلمين قد تحاملوا عليها, فالقرامطة والإسماعيلية, والرافضة الإمامية والفاطمية والزنج وإخوان الصفا, والخوارج كلهم في نظرهم واعتبارهم دعاة إصلاح وعدالة وحرية ومساواة, وثورتهم كانت ثورات لإصلاح الظلم والجور, فهذا الشغب والإرجاف على التاريخ الإسلامي ومزاحمة سير رجاله ودعاته بسير قادة الفرق الضالة أمر لا يستغرب من قوم لا يدينون بالإسلام, فهم من واقع عقيدتهم يكيدون له بكل جهد مستطاع, ليلاً ونهارًا, وسرًا وجهارًا ولا يتوقع من مطموسي الإيمان وملل الكفر إلا مناصرة إخوانهم في الضلال, ولكن الأمر الذي قد يحدث استغرابًا عند البعض أن يحمل راية التشويه والتحريف بعد سقوط دولة الاستشراق كتاب يحملون أسماء إسلامية ومن أبناء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015