قد كانت الأمصار والولايات أحق بأموالها وجباياتها من غيرها، فكان الولاة لا يعملون على ترحيل الأموال عن مناطقهم إلى العاصمة في المدينة أو الكوفة فيما بعد، إلا بعد أن يسدوا حاجة ولاياتهم من النفقات (?) , ولا شك أن ما قام به الخلفاء الراشدين خصوصًا في عهد عمر من تنظيم دقيق للشئون المالية في الولايات بما فيها من جباية- مصادر الدخل أو الواردات العامة إضافة إلى النفقات العامة- يعتبر تنظيمًا جديدًا، ولم يمنعهم ذلك من الاستفادة من خبرات من سبقوهم حيث استحدثوا الدواوين وضبطوا أمورهم المالية من مختلف جوانبها، وقد تحدثت عن المؤسسة المالية في عهد الفاروق، رضي الله عنه، بنوع من التفصيل، فمن أراد المزيد فليرجع إليها في كتابي فصل الخطاب في سيرة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وقد حاول بعض المستشرقين وفيهم فيليب حتى في موسوعته عن تاريخ العرب أن يقلل من شأن ما قام به الخلفاء الراشدين من تنظيم للأموال في الدولة عمومًا فقال:

«والحقيقة أن الأخبار تعزو إلى عمر كثيرًا مما أحدثته السنون التي لحقت عهده من إنشاءات دعت إليها التجارب والأحوال الجديدة، وأن ما جاء به الخلفاء وعمال الأمصار الأول في صدد الخراج والجزية، وأصول جبايتها وسياسة أموال الدولة لم يكن بالشيء الخطير، فلقد أبقى الإسلام أساس الحكم وأنظمة الإدارية البيزنطية على ما كانت عليه في سوريا ومصر، ولم يفكر أرباب الأمر في الأمصار الفارسية أن يبدوا أصول الحكومة المحلية، ولم يأخذ القاتحون الضرائب إلا طبقًا لطبيعة البلاد وبمقتضى الأصول المرعية في العهد المنقرض سواء أكان بيزنطيًا أو فارسيًا، ولم يعتبروا في ذلك إذا كانت قد دانت لهم صلحًا أو أنهم فتحوها عنوة، ولا اهتدوا بتشريع أوجده عمر» (?). والكاتب هنا قد تجاهل النصوص التي وردت في استنباط عمر للخراج على الأراضي المفتوحة عنوة، وكيف أن النظام قد لقي مجادلة ومعارضة من بعض الصحابة إلى أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015