قد أحاطت بها العلل من كل جانب فهي معلولةالمتن من جانب وشاذة أو منكرة من جانب آخر. فهيا بنا نتأمل الرواية الأولى صحيحةالإسناد في بابنا هذا، فهي بعد ذكر مسلم لإسناده كالتالي: " عن موسى بن طلحة عنأبيه قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم على رؤوس النخل فقال " ما يصنعهؤلاء " فقالوا يلقحونه يجعلون الذكر في الأنثى فيلقح فقال رسول الله صلى الله عليهوسلم " [ما أظن] يغني ذلك شيئا ". قال فأُخبروا بذلك فتركوه فأُخبر رسول اللهصلى الله عليه وسلم بذلك فقال " إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه فإني [إنما ظننت ظنا] فلا تؤاخذوني [بالظن] ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به فإني لن أكذب علىالله عز وجل ") قال النووي في شرحه على صحيح مسلم ج: 15 ص: 116 قال العلماء ولميكن هذا القول خبرا وإنما كان ظنا كما بينه في هذه الروايات. انتهى. إذاً، يتبينمن الرواية الصحيحة أن النبي لم يقل (أنتم أعلم بأمر دنياكم) وحاشاه أن يقول ذلك. كما بين النبي أن ذلك مجرد ظن منه وبهذا يُعلم أن ذلك ليس نهياً أو أمراً أو سنةأو ندباً (وهذا ضابط مهم) فقال منذ البداية " ما أظن " ولم ينههم ثم أكد على هذاالبيان مرة أخرى حين بلغه ما بلغه فقال " فإني إنما [ظننت ظنا] فلا تؤاخذونيبالظن ". فالله الذي رضي لنا الإسلام دينا إلى يوم القيامة أعلم بأمور دنيانا منا.

--------------------------

إسناد تلك الرواية الموضوعة فيها هشامبن عروة عن أبيه وقد حدث بها في العراق فالراوي الذي رواها عنه عراقي [وقد أُنكرعلى هشام بعدما صار إلى العراق فإنه انبسط في الرواية فأنكر عليه ذلك أهل بلده فإنهكان لا يحدث عن أبيه إلا ما سمعه منه ثم تسهل فكان يرسل عن أبيه]. (المرجع: تذكرة الحفاظ للقيسراني المتوفى سنة 507 هـ. ج 1. ص 145.).

كما أن فيإسناد تلك الرواية الموضوعة حماد بن سلمة: نقل الذهبي في السير 7 - 446 و 452والزيلعي في نصب الراية 1 - 285 عن البيهقي في الخلافيات أنه قال في حماد بن سلمة ( .. لما طعن في السن ساء حفظه فلذلك لم يحتج به البخاري وأما مسلم فاجتهد فيه وأخرجمن حديثه عن ثابت مما سمع منه قبل تغيره وأما سوى حديثه عن ثابت فأخرج نحو اثني عشرحديثا في الشواهد دون الاحتجاج فالاحتياط ان لا يحتج به فيما يخالف الثقات 000] وهو هنا قد أخطأ وخالف بروايته رواية الثقات والكتاب والسنة وأمراً معلوما من الدينبالضرورة وهو أن الله أعلم من جميع خلقه بكل شيء بما في ذلك أمور دنياهم. اللهأعلم بأمور دنيانا منّا.

-----

من أمثلة كلام علماء السنة عنالاحتجاج بالأصل وأنه غير الاستشهاد عند مسلم ما يلي

(قال النووي في شرحهلصحيح مسلم ج 1 ص 91 في سياق حديثه عن أحد الرواة الضعفاء: فإن قيل: فإذا كان هذاحاله فكيف روى له مسلم فجوابه من وجهين أحدهما .. والثانى [أنه لم يذكره أصلاومقصودا بل ذكره استشهادا]) إنتهى.

وقال أبو الوفا الحلبي الطرابلسيالمتوفى في القرن التاسع الهجري في كتابه المسمى التبيين لأسماء المدلسين ج: 1 ص: 222 ما يلي: ميمون بن أبي شبيب متكلم فيه ولم أر أحدا من الحفاظ وصفه اني رأيت بخطبعض فضلاء الحنفية الفقهاء حاشية في أوائل صحيح مسلم في المقدمة فإن قيل ميمون بنأبي شبيب مدلس وقد روى عن المغيرة بالعنعنة فلا تقبل روايته [قلنا مسلم إنما رواهعنه استشهادا] بعد ان رواه من حديث بن أبي ليلى عن سمرة. إنتهى.

وقال ابنحجر في كلامه عن أحد الرواة في تهذيب التهذيب ج: 1 ص: 183: وقال بن القطان الفاسيلم يحتج به مسلم إنما أخرج له استشهادا. إهـ

من أمثلة ذلك التفريق بينالإحتجاج والمتابعة أيضاً: ما قاله ابن القيم في المنار المنيف 1/ 149 حيث قال (وعلى ابن زيد قد روى له مسلم [متابعة] ولكن هو ضعيف وله مناكير تفرد بها فلا يحتجبما ينفرد به) إهـ

لذا لا يحتاج المسلم المتدبر لكتاب الله وسنة رسوله أنيذكره أحد بأن الله هو علام الغيوب وأنه هو العليم الحكيم وأن الله الذي رضي لناالإسلام دينا وشرعه لنا إلى يوم القيامة أعلم بأمور دنيانا منا. أيشك أحد منالمسلمين في أن الله أعلم منه بأمر دنياه وجميع أموره. قال الله " قل أأنتم أعلمأم الله "

طور بواسطة نورين ميديا © 2015