"يرويه عدل ضابط عن مثله" بأن يكون جميع طبقات السند يتصفون بهذين الوصفين: العدالة والضبط، ومجموع العدالة والضبط ينتج منهما وصف لا بد منه في الرواية هو الثقة، الثقة: هو عبارة عن اجتماع عدالة وضبط، فلا بد أن يتوافر هذان الشرطان في جميع طبقات السند من أوله إلى أخره عن مثله مع اتصال السند "معتمد في ضبطه ونقله" معتمد عن مثله، راوٍ مثله في الأوصاف السابقة، وهو أيضاً يكون ممن يعتمد عليه في الرواية "معتمد في ضبطه" ضابط، حافظ، حازم، حافظ، "ونقله" مأمون على السنة، وإذا توافر الشرطان: العدالة والضبط صار الراوي معتمد في ضبطه ونقله، والأمثلة على الحديث الصحيح كثيرة جداً، فالصحيحان وغيرهما فيهما الأحاديث الصحيحة، فمظنة الحديث الصحيح في الصحيحين.

أول من صنف في الصحيحِ ... محمد وخص بالترجيحِومسلم بعد وبعض الغرب مع ... أبي علي فضلوا ذا لو نفع

"ولم يعماه" يعني ما عم جميع الصحيح، ولذا الدعوى إلى الاقتصار بالصحيح مع القرآن دعوى غير مقبولة، هناك من يقول: يكفينا الصحيحان، القرآن والصحيحان، وكل دعوى تجد من يتبعها، هناك جماعة يسمون جماعة الاقتصار على القرآن مع الصحيحين، وألف في ذلك: (تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن والصحيحين) لكن هذه دعوى غير صحيحة؛ لأننا بهذا نعطل أكبر قدر من السنة، فصح عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في غير الصحيحين أكثر مما في الصحيحين، ولذا يقول الحافظ العراقي:

ولم يعماه ولكن قلما ... عند ابن الأخرم منه قد فاتهما

فات الصحيحين قليل، "ورد" هذا الكلام ليس بصحيح بل كثير، "ورد لكن قال يحيى البرُ -النووي-، ولكن قال يحيى البر ... لم يفت الخمسة إلا النزرُ"، الخمسة: يعني من الصحيح، الخمسة: البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي، هذه دواوين الإسلام الخمسة، قبل أن يضاف السادس، لم يفت الخمسة إلا النزر، يعني النزر القليل من الصحيح، "وفيه ما فيه" وهذا أيضاً كناية عن ضعفه؛ لأنه أيضاً يصفو لنا من مسند أحمد -رحمه الله تعالى- صحيح كثير، لا يوجد في الخمسة، يصفو من صحيح ابن حبان صحيح كثير، لا يوجد في الخمسة، يصفو من صحيح ابن خزيمة كذلك، من مستدرك الحاكم، من سنن البيهقي، من غيرها من الكتب يصفو صحيح كثير في غير الخمسة، "وفيه ما فيه" كناية عن ضعفه، "لقول الجعفي أحفظ منه -يعني من الصحيح- عُشْر ألفِ ألفِ" يعني يحفظ مائة ألف حديث البخاري -رحمه الله تعالى-، لكن قد يقول قائل: وين هاالمائة ألف؟ حديث صحيحة مائة ألف وين؟ أجاب الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى- بقوله:

وعله أراد بالتكرار ... لها وموقوف وفي البخاريأربعة الآلف والمكررُ ... منها ثلاثة ألوف ذكروا

المقصود أن الأحاديث الصحيحة كثيرة جداً، وفيها ما يشغل عمر المسلم تعلماً وتعليماً وعملاً، وما يغنيه عن تتبع الأخبار التي لم تثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فضلاً عن الأخبار التي تضاف إلى غيره، فضلاً عن الوسائل التي تلقن الناس اليوم، وفتنوا بها من وسائل إعلام مقروءة ومرئية ومسموعة، الناس انصرفوا عن العلم الصحيح الأصيل إلى هذه الأمور التي تشغلهم، وتشوش أفكارهم، ولا تفيدهم لا في دينهم، ولا في دنياهم، وعلينا أن نعنى بالأحاديث الصحيحة، ولتكن عنايتنا بصحيح البخاري أكثر من غيره؛ لأنه ديوان الإسلام بعد القرآن، وفيه من العلم ما لا يستغني عنه أحد، نعم طالب العلم المبتدئ يربى على المتون الصغيرة، يحفظ الأربعين، يحفظ العمدة، يحفظ البلوغ أو المحرر، لكن بعد ذلك لا يقف، يعتني بالكتب الكبار المسندة الأصلية في الباب، ولتكن عنايته الأولى بصحيح البخاري، حتى إذا أتقنه ينظر فيما عداه كصحيح مسلم والسنن وغيرها، ثم قال -رحمه الله تعالى-:

والحسن المعروف طرقاً وغدت ... ...................................

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015