"أولها الصحيح وهو ما اتصل إسناده" عرفنا كيف يتصل الإسناد، أما إذا انقطع الإسناد سواء كان من أوله أو من أخره، نعم، أو من أثنائه بواحد أو أكثر، سواء كان الانقطاع ظاهراً أو خفياً، على ما سيأتي تفصيله في أنواع الانقطاع الظاهر والخفي، فلا يكون الخبر صحيحاً، فقوله: "ما اتصل إسناده" يخرج ما انقطع إسناده، على أي وجه كان الانقطاع، "ولم يشذ أو يعل" يعني لم يكن مشتمل على شذوذ، والشاذ الذي استقر عليه الأمر: ما يخالف فيه الثقة من هو أوثق منه.

الشاذ ما يخالف الثقة ... فيه الملأ فالشافعي حققه

ومنهم من يطلق الشذوذ على مجرد التفرد، سواءً كان المتفرد ثقة أو غير ثقة، ومهم من يقول: الشاذ تفرد من لا يحتمل تفرده، على خلاف في ذلك مبسوط في كتب ومواضع أخرى.

"أو يعل" يعني لم يشتمل الخبر على علة، والعلة: سبب خفي غامض يقدح في صحة الحديث الذي ظاهره السلامة منها، "يرويه عدل ضابط عن مثله" العدل عند أهل العلم يقولون: من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى والمروءة، هذا العدل عند أهل العلم، بمعنى أنه لا يترك واجب، ولا يرتكب محرم؛ لأن التقوى فعل الواجبات، وترك المحرمات، والمروءة آداب نفسانية، تحمل مراعاتها التخلق بأجمل الأخلاق، وعدم الخروج على الأعراف، هذه هي المروءة، ليس من المروءة أن يخرج الإنسان حاسر عن رأسه بين أناس يغطون رؤوسهم، ليس من المروءة أن يأكل في الأسواق بين أناس يعيبون ذلك، نعم، فالمروءة ليست من الأمور المحرمة الظاهرة، وإنما هي ملاحظة الغير، وعدم الاشتهار بشيء يختلف فيه الإنسان عن غيره، نعم، وأما ارتكاب المحرمات وترك الواجبات هذا داخل في التقوى، "يرويه عدل ضابط" ضابط نعم، الضابط: الحازم الحافظ الذي يحفظ الخبر، ويأديه، يحفظه ويحافظ عليه بحزم من حيث يتحمل إلى أن يؤدي؛ لأن للرواية طرفين، الرواية لها طرفان: طرف يسمى التحمل، وطرف يسمى الأداء، فالتحمل: أخذ الأحاديث عن الشيوخ، حفظ، تسمع من الشيوخ، أو تقرأ على الشيوخ هذا تحمل، والأداء تؤدي إلى التلاميذ، نعم، في حال التحمل لا يشترط شيء، إنما يشترط التمييز، يعني تفهم وتحفظ فقط، لا يشترط أن يكون بالغاً، ولا يشترط أن يكون عدلاً، ولا يشترط أن يكون مسلماً أيضاً حال التحمل؛ لأن العبرة في حال الأداء، كون الإنسان يحفظ شيء في حال الصغر، في حال الفسق، في حال الكفر هذا لا يعنينا كونه يحفظ، متى نحتاج إلى الشروط؟ إذا أراد أن يؤدي، هل تنطبق عليه الشروط أو لا تنطبق؟ نأخذ عن هذا أو لا نأخذ؟ هنا لا بد من توافر الشروط، أما تحمل الفاسق، تحمل الصغير، تحمل الكافر مقبول إذا أدى بعد انطباق الشروط عليه، محمود بن الربيع عقل المجة التي مجها –النبي عليه الصلاة والسلام- في وجهه من دلو، وهو ابن خمس سنين، تقول: ما نقبل روايته لأنه صغير ما هو مكلف؟ نعم لا نقبل أداءه لهذا الخبر إلا بعد أن تنطبق على الشروط، {إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [(6) سورة الحجرات] وفي قراءة: "فتثبتوا" أما في حال الأداء فلا نشترط شيء، جبير بن مطعم سمع النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو في حال كفره يقرأ في صلاة المغرب بسورة الطور فتحمل على الوجه المطلوب، لكن لو أدى حال كفره نقبل وإلا ما نقبل؟ ما نقبل؛ لأن العدالة شرط، أدى بعد إسلامه فقبلنا، وخرج الخبر في الصحيحين.

أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبربأن يكون ضابطاً معدلاً ... أي يقضاً ولم يكن مغفلاًحافظا إن حدث حفظاً يحوي ... كتابه إن كان منه يروي

لا بد أن يكون ضابطاً يضبط ما سمع، ولو كان عدل من أوثق الناس من خيار الناس بالصدق والعدالة، لكن إذا سمع شيء نسيه ما يقبل خبره، هذا ليس بضابط، ولو كان من أضبط الناس وأحفظهم، لكن يرتكب المحرمات، هذا لا يؤمن، إذاً لا يقبل خبره.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015