يوميات شاميه (صفحة 90)

جمادى الثانية، أوله الأربعاء. في ثلاث وعشرين منه، كان آخر الخلوة البردبكية بدمشق، وحضر أكابر وأعيان، وكان ختماً حافلاً، تقبل الله من الجميع دعاءهم، آمين.

رجب، أوله الجمعة.

عزل رجب باشا

فيه ورد نجاب من مصر بنزول رجب باشا من قلعة الجبل، وأهين وحبس، وجلس موضعه باشة الحج الذي أرسل الباشا لقتله. وكان هدم داره وأخذ موجوده وضبطه للسلطنة على زعمه، وأخذ خيله وضياعه ليبيعها، ثم جلس مكانه، ورد له جميع ما كان له.

بستان البرج

الثلاثاء. كنا مع جماعة من الأصحاب في بستان البرج، ودعانا الأخ الأمجد عمر آغا، صاحب البستان المزبور، ومعي بعض أصحاب.

ففي أثناء النهار كنا نطالع في ديوان لمنجك باشا، وفيه قصيدة حسنة، وضعتها هنا لحسن معناها ولطف مغناها، وهي قوله:

قصيدة منجك باشا

يدير عليّ كاسات الحميّا ... ضحوك السّنّ برّاق المحيّا

إذا ذكرت صفات الحسن فيه ... فما سعدى، وما هندٌ وميّا

يقول الورد في خدّيه هبوا ... إلى اللّذات قبل التّوب هيّا

فإنّ العمر أيام التّلاقي ... وساعات النّوى أجلٌ مهيّا

فقلت نعم لو انّ الحظّ حطّ ... وزار السّعد نادينا وحيّا

ولكن لو ركبت الريح طرقاً ... وكان البرق سوطاً في يديّا

وسابقني الخمول على حمارٍ ... لكان السّبق في الدنيا عليّا

ولو أعيا الزمان الوغد همٌّ ... وأعجزه لأرسله إليّا

ولو أنّ السّعادة بالتمنّي ... رأيت منازلي فوق الثريّا

عصابة تقتل غلاماً

شعبان

أوله الأربعاء. فيه خنق ولد في دار أهله وحده وعندهم مال. فأبوه في نهابة على العرب مع الدولة، وأهله في الحمام، فدخل إليه رجلان وامرأة، وغطت المرأة على بيضه حتى أغموه، ثم شدوا فمه بقطن وركبوا على صدره، ثم أخذوا المال وخرجوا وفيه بعض رمق، فلما جاء النساء من الحمام فرأوا ذلك وكان به رمق ثم مات، ثم علم بالسارقين فمسكوا وعذبوا، فأقر رجل سيد في السكرية ببيع العطر، وأنكر الآخرون، فأرسل أخذ من بيت المقر الدراهم المأخوذة، والولد عمره أربعة عشر سنةً.

وفيه دخل بعض حج من الروم.

وفيه بلغ بأن بالروم فتنة، وقتل الوزير وآغة الينكجرية، وتوجه السلطان إلى أدرنة خوفاً من العزل.

قتل القاتل

وفيه خنق عثمان باشا، السيد العطار الذي خنق ذلك الولد وأخذ مال أهله وخرج من البيت على زي النساء، وشعر به بعض من عرفه، ورمي عند السنانية، ودفع أهله مالاً للباشا حتى أذن بدفنه، والبغي مرتع مبتغيه وخيم، وكل ذلك من أجل حب الدنيا، والتهور في حبها وغلبة الطمع، وعدم الرضا بالقناعة وقلة الدين.

وقد ورد في ذم الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه. وعالماً أو متعلماً، وورد الدنيا أسحر من هاروت وماروت.

وورد الدنيا حلوة خضرة، قال الشاعر:

يا طالب الدّنيا الدّنية إنّها ... شرك الرّدى وقراره الأكدار

بحث في ذم الدنيا

فينبغي إكراه النفس على الصبر على الموجود وإن قل. وإلا فمن لازمه الوقوع في المهالك والمفاسد، ومن جملة ما يؤدي إلى المهالك والمفاسد وهلك وهتك العرض وهلاك النفس، شهوة البطن والفرج، فقل من تهالك في التوسع في ذلك فسلم، ومن قلل أمن، وإلا فهو هالك، وربما كثرتها يكون سبباً للهلاك، وورد خذ من الدنيا ما شئت، وخذ بقدرها هماً، فينبغي رضا العبد من ربه إذ قلل عليه منها، فإنه لا يدري أن فيه الخبر، وفي الآخرة عليه حسابها، وفي الدنيا يفنيها، وما أحسن قول من قال:

خذ القناعة من دنياك وارض بها ... واجعل نصبك منها راحة البدن

وقل لمن ملك الدنيا بأجمعها ... ما رحت منها بغير القطن والكفن

ونسأله سبحانه أن يلهمنا رشدنا، ويعيذنا من شرور أنفسنا، ويستر عوراتنا، ويأمن روعاتنا ويحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، ونعوذ بعظمته أن نغتال من يميننا.

القاضي محمد أحمد الخياط

رمضان، وأوله الخميس على ثبوت هلال شعبان الثلاثاء.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015