وفي يوم الأربعاء الثامن، فيه توفي إلى رحمة الله الشيخ محمد النقشبندي من مشايخها المسلكين فيها، وجماعته نحو المائتين، وتقدم ذكره حين قدومه إلى دمشق. ولهم إمام ومؤذن، ومهما اشتغلوه يكون لأستاذهم، لا تصرف لهم فيه، ولو إرثاً. وأخذوا أماكن، وأنشؤوا فلايح ويسمون زوجة الأستاذ الست وهم لها كالخدام يمشون في ركابها، وانقيادهم إلى الأستاذ لا يصل إليه أكبر حاكم. وصلي عليه بالبغا، ثم رفع على الأعناق، ودفن بسفح قاسيون، بتربة أنشئت له مكلفة، بقبة لطيفة وعمارة منيفة، غربي المعظمية. ولا يحلس في مجلس الأستاذ إلا الخليفة والإمام، ولهم آداب لا يعقلها أهل هذه البلاد، وأصله من بلدة بلخ من بلاد اليزبك، وبينها وبين الشام نحو سنة، وقبل موته بيسير تجهز إلى بلاده وأعطاه ناصيف باشا تختاً، وكتب له مكاتيب توصيةً فيه من حلب إلى الموصل إلى العراق إلى تبريز حتى إلى الشاه، وأن يوصلوه إلى بلاده، وكتب لكل مكتوباً مختوماً بختمه. ثم لما وصل إلى حلب رجع عما كان، فعاد إلى دمشق، وكان بالبلد وباء عظيم فتمرض بالحمى وتوفي كما سبق، ومات من اليزبك من جماعته خلق كثير، ويأتي ذكر بعضهم.
وفيه يعني في ربيع الأول، توفي بالمرض العام، ترزي إسحق، من أولاد مشايخ المذكور، ودفن بالسفح لصيقه، وحجر قبراهما وسنما بعمارة مكلفة من الحجر الأصفر المنحوت، وتكلفت عليهم التربة ما ينوف عن خمسماية غرش وأكثر.
وفي يوم الخميس الخامس عشر، توفي الشيخ مصطفى الشيباني التغلبي المجذوب، وصلي عليه بالأموي الظهر، ودفن بالسفح قبلي الزاوية العجمية، وكان خلقاً لا يحصى، وما دفن إلا قريب الغروب. وأخبرني من أثق به، أن رجلاً زاره، فرأى عند رأسه واحد ذهب عتيق فأخذه وقرأ له الفاتحة وذهب، وقيل كان الرجل في ضيق معيشة، وهذا يدل على أن المزار من المكرمين عند الله.
وفي يوم الاثنين السادس والعشرين، خرجت الخزنة.
وفيه توفي أحمد أفندي بن سنان فجأةً، وكان بالميدان الأخضر في النهار، وتوفي تلك الليلة ودفن بتربة الفراديس.
وفي يومه توفي الشيخ الفاضل المفيد الشيخ محمد آغا ضيائي، إمام جامع درويش باشا. طلب العلم في بدايته، وقرأ في الفنون، وكان يستعيد ويقرئ بعض الطلبة في النحو والفقه الحنفي، وكان أكثر أيامه مقيماً بخلوة الإمام بجامع الدرويشية، وعليه وظائف، وعليه تدريس، ودفن بالباب الصغير، عفي عنه.
وفيه خرج قاضي الشام أوليا زاده إلى بلاده.
وفي يوم الخميس الثامن والعشرين، جاء قبجي من الروم، وأخذ سليمان آغا العبد المتسلم. وكان نزل في بيت ابن الناشف، ولم يبت غير ليلة، ولا يعلم ما الأمر فيه. وخرج وقت الظهر مع الينكجرية بثياب حقيرة، وأركب بغلاً، وكان هذا العبد مولداً من أولاد الناس، لا رقيق، وأما ظلمه فكثير وما فعل شهير.
وفي يوم السبت ثالث ربيع الثاني، توفي السيد خليل الدسوقي، الفقيه الشافعي، وصلي عليه بالسنانية ودفن قرب الشيخ محمد الكاملي، وكان في جنازته خلق كثير، عفي عنه.
وفي يوم الخامس منه، شرع في بيع كتب الشيخ محمد الدكدكجي، وربما تبلغ نحو الألف مجلدة.
وفيه توفي الشيخ أحمد المصري المجذوب، وكان دائماً عارياً صيفاً شتاءً، وهو ذو أحوال وخوارق، وصلي عليه بالأموي، ودفن بالباب الصغير.
وفي يوم الاثنين خامس عشرين ربيع الثاني وأوله السبت، توفي إلى رحمة الله، السيد رفيع اليزبكي النقشبندي، إمام الشيخ محمد البلخي السابق ذكره، بالمرض العام، وذلك في داره غربي جامع الورد، وصلي عليه به ودفن بسفح قاسيون في تربة العامة، خارج تربة شيخه، وليس في التربة المذكورة سوى الشيخ محمد وترزي إسحاق، والبقية حول التربة من خارجها. وكان السيد رفيع من العلماء الأجلاء، فصيح العبارة، ماهراً بالعربية والمنطق، عالماً بالنحو والصرف والحكمة والطب والأوفاق، وله خط حسن، وتصرف في مثل الجنون واللوثة والسوداء، ماهراً في كل الأمور مؤدباً محتشماً ورعاً صدوقاً. رحمه الله وعفا عنه، آمين.