ربيع الأول، وأوله الجمعة، لم يحدث ما يؤرخ.
وفي يوم الجمعة سكر بعض حوانيت، وذهب بعض عوام إلى دار المفتي ابن القاري، ثم أرسل إليه من جهة هذه القضية، وأنه دخل عليه العمادي فرسم عليه وتطاول لأنه كان مساعداً في تنفيذ الفرمان، والمفتي القاري في إهماله، ولا قوة إلا بالله. ثم أُجريت الخسارة ونعوذ بالله من الظلم والفساد.
في السادس عشر، جاء الباشا تقرير من قبل السلطان أحمد بدمشق.
وفيه قتل رجل نواحي وادي الصفرا بسفح قاسيون، وأخذ الباشا من الحارة الشرقية إلى حارة المحيوي ابن عربي دية محلة المقدم والسكة، والمقدار ثلثماية غرش، ثم لم جميع الخساير:
وقاضٍ أحكامه لم تفد ... وقاضيةٍ أحكامها ماضيه
فيا ليته لم يكن قاضياً ... " يا ليتها كانت القاضيه "
والأعمال بالنيات، فإن نية المرسلين لهذا الفرمان مزعزعة، وإلا كان تم هذا الأمر وأقر في الأنفس كلها، والإخلاص أعز من الكبريت الأحمر.
وفي ليلة الأربعاء تاسع عشر الشهر، سهرنا عند صاحبنا الأعز الأمجد الشيخ محمد بن بلبان الصالحي الحنبلي بداره بمحلة حارة الأمير المقدم، وكان أكثر أعيان الصالحية، فكان نائبها القاضي صادق بن هدايات، والقاضي السيد أحمد الشويكي الصالحي، والقاضي عبد الوهاب بن العلامة الشيخ عبد الحي الصالحي الحنبلي الحنفي، مدرس الأشرفية الصالحية، والشيخ عبد الرحمن جلبي، وجابي السليمية أحمد الإياشي الصالحي، والشيخ الشاب معتوق بكر الأكرمي، وغيرهم من أهالي المحلة، وكانت السهرة نحو ثمان ساعات، وأنشد الشيخ مصطفى جلبي الصالحي بصوته الطيب قصيدةً بارعةً، ثم أخرى لابن خلوف، جواهر فنونها ساطعة، فأطرب المجلس طرباً، وانحاز السأم عنا سربا. فاهتز المجلس اهتزاز النشوان، واطرب القلب حتى كاد أن يهم إلى الطيران. وكان الجلوس بقاعته الغناء والغادة البيضا، تختال بنقوش الأدهان، وترفل في حلل مسبوغة بمحاسن الألوان. فلما دخلناها نادتنا برحبها الرحيب، وأطارت أنظارنا إلى علوها المناهض للسماك، واللامس للكف الخضيب، وكان شبابيكها آذاناً لاستماع رياحها الخافقة، وقماريها نجوم النسايم أو عيون النعايم، بعين بالنظر إلينا وامقه، وشمعتها المنيرة في السرب كالصباح المتطير باشعته الساطعة، وسمعتها المنيرة في الغرب وإن لبست الغروب، فهي على الدوم طالعة، والقاعة كالعروس تجلى على تيك الشموع المضية، حال كونها تختال لكلسها بحللها المبيضة الفضية، فهي كالروضة الغناء بألوان نقوشها الكاملة الإحكام، أو هي كالزهر التام إذا خرج من بين الأكمام، والله يصحبه بالخير إنه ولي كل خير.
وفي يوم السبت التاسع والعشرين توفي الشيخ مصطفى بن القاضي زكريا الشبلي، وصلي عليه بالأموي، ودفن بالباب الصغير، وعليه عثمانية وبعض وظائف.
وفي يوم الاثنين السادس عشر، فيه توفي الشيخ الفاضل الشيخ جمعة بن رمضان التركماني الخلوتي الإمام بمسجد الكنجلي نواحي الحقلة، ودفن بتربتهم التي هناك.
وفيه ورد الشيخ إبراهيم السعدي من الروم بتولي وظائف وتولية الأموي، وتولية مسجد القربي بمحلته نواحي الشاغور.
وفيه بلغ خبر برفع السلطان، الجوالي من بلاده، ومدخلها الخزينة.
وفيه أعطى رجب باشا خمسين عثمانياً لحسين آغا تركمان حسن، ولصادق آغا الناشفي، عشرين، وأعطى لمولانا الشيخ عبد الغني عشرين عثمانياً جعلها على أولاده، والله يتم ذلك لهم، فإنهم أهل الإكرام، وفي هذا أنفق مال له، لكنه لم يمسك فرمان رفع المظالم، وسمع أنه بالروم، بلغ أخبار عن ظلمه وعتوه، ومرادهم عزله.
وفيه صار فتنة عظيمة في أترابلس، ونهب مال القلصن النصراني وأخذ موجوده، وسببه أن النصراني البحري دخل إلى ترابلس بالأمان، فلما نزل البحر استبار باطلاع أهل ترابلس وهم ينظرون إليه، وضربوه بالمدافع فلم تصل، فرجعوا على القنصل وفعلوا فيه ما فعلوا، ولا يقع في العادة الاستبار إلا بعد غيبة البلد عن عينه، وهو عنهم، ولو ليلاً ولا يقدر، هكذا طريقة الثغور، لأنهم إذا رأوه نزلوا إليه وقابلوه ولا يقدر يهرب منهم فليحقوه بالبطسات الخفيفة ويقاتلوه لانتقاض أمانه وعهده حينئذ.