وفيه تمت القمرية التي جعلت لرجب باشا فوق رأس النبي يحيى عليه السلام، لصيق الجهة الغربية، لأجل أن يصلي بها ولا يراه أحد، وقام بعض العلماء على هذا الأمر وأنكره، ثم عاد وترك الأمر، يعني من جهة الإحداث والتحريج، وهو لا يجوز.
وفيه كان فرح رجب باشا في ختان ولد له وبقي سبع أيام، ودعا علماء وفضلاء وموالي ودولة، وناله العفو والمسامحة.
وفيه ورد قبحي لأجل الدعاء للسلطان، فالله ينصره بمنه وكرمه.
وفيه أنشدني بعض الأصحاب:
تغنّت حمامة بطن الواديين ضحى ... فأشرق شجوٌ في صوتها الأحسن
ومذ تراءت أعلام طيبة لي ... ظفرت وقرّت بذلك أعيني
شعبان، أوله الخميس، وفيه ورد حج كثير من الروم.
وورد ترجمان المحكمة إسماعيل، ومعه خط شريف، ورجع سعيد جلبي إلى المحكمة، وسمع أنه خسف ببلد في بلاد الروم.
وفيه ختم المدرسون أرباب المدارس.
وفيه ورد عرب الصر لأخذ الصر، فأخذوا وذهبوا، ولم يأت بعد أخبار سفر السلطان.
وفيه أنشدني بعضهم متمثلاً بأبيات زهدية للحافظ جمال الدين بن الجوزي، ناقلاً عن كتابه التبصرة في الوعظ قوله:
حكم المنيّة في البريّة جار ... ما هذه الدّنيا بدار قرار
بينا يرى الإنسان فيها مخبراً ... حتّى يرى خبراً من الأخبار
طبعت على كدرٍ وأنت تريدها ... صفواً من الأقذاء والأكدار
ومكلّف الأيّام ضدّ طباعها ... متطلبٌ في الماء جذوة نار
وإذا رجوت المستحيل فإنما ... تبني الرجاء على شفيرٍ هار
فالعيش نومٌ، والمنيّة يقظةٌ ... والمرء بينهما خيالٌ سار
والنفس إن رضيت بذلك أو أبت ... منقادةٌ بأزمّة الأقدار
فاقضوا مآربكم عجالاً إنما ... أعماركم سفرٌ من الأسفار
وتراكضوا خيل السّباق وبادروا ... أن تستردّ، فإنّهنّ عوار
والدّهر يخدع بالمنى ويغصّ إن ... هنّا ويهدم ما بنى ببوار
قد لاح في ليل الشباب كواكبٌ ... إن أُمهلت غابت عن الإسفار
ولم يقع فيه ما يؤرخ. في آخره ليلة العيد، دفع له بالعصر ففطر جماعة ظانين أنه يوم العيد، وفي العادة، إن تدفيع العيد يكون بعد المغرب، والله يصلح الأحوال.
شوال، أوله الأحد، والشهر تام. وفي يوم الخميس في اثني عشر الشهر، طلع المحمل وسبقت الموالي إلى قبة الحاج، ولم يكونوا في الموكب، ومعه مائة وعشرة بيارق، ثم يوم الجمعة جاء الباشا وصلى الجمعة ورجع إلى مخيمه عند قبة الحاج بركب خفيف، ومعه قاضي الشام.
وفي يوم الثلاثاء، آخر النهار سابع عشر الشهر، طلع الحاج كله جملةً واحدةً.
وفيه نودي على المعاملة وصار تفتيش على المتسببة والله يصلح الأحوال.
الأحد الرابع عشرين الشهر، توفي الشيخ الفاضل الفقيه محمود بن محمد الحنبلي الدومي، خطيب قرية دوما والمستوطن بها. وكان له أُبهة عظيمة وعمامة كبيرة ويركب فرساً ويلبس لباساً حسناً على زي متعممين دمشق. أخذ عن الشمس بن بلبان الحنبلي الصالحي، وقرأ على التقي عبد الباقي الحنبلي في فقه الحنابلة، وأخذ عن أبي المواهب الحنبلي المفتي، وكان عنده كتب وله ثروة عظيمة، وله دار حسنة عمرها على طرز دور دمشق بالطوانات المكلفة والدهانات الحسنة، وزخرفها بالنقوش والكتابات اللازوردية ومن سائر الألوان، وكان يحفظ كلام الله عن ظهر قلب.
وفي يوم العشرين من شوال المذكور، قتل نواحي جبة عسال، القاضي عبد الحي أفندي الرفاعي الحنبلي، قاضي الحنابلة بمحكمة الجوزية. خرج عليه جماعة من قطاع الطرق، وبقي معه من جماعة الفلاحين واحد، وهرب الباقي، فضربوه فوقع قتيلاً، ثم ثنوا بالآخر، وأخذوا الحوايج والأسباب والأفراس. ثم مر به محملاً إلى داره الثانية بالصالحية مقابل القيمري، وصلي عليه بالسليمية، بعدما أُعلم له بها وبدمشق، ثم جيء به إلى الدحداح.