وفي السبت الثالث والعشرين، سافر الحافظ الخليلي إلى بلاده القدس بكرة النهار، وبات تلك الليلة في دارنا، وخرج لوداعه خلق كثير من أهل دمشق، ولوداع رفيقه الشيخ الصالح العابد الناسك السيد يحيى الدجاني. وكان الخليلي حافظاً للحديث والفقه والنحو والتصوف وجميع العلوم، وكان بارع العبارة واضح التقرير صحيح الذهن، كثير الحفظ، سريع الاستحضار، درس وحدث بالجامع بين العشائين دول مدته، وأجاز لكثير من الطلبة في الحديث.
وأرسلت له رسالتي التي ألفتها في علم البديع مما يتعلق بالبسملة، وتسمى الرسالة المشتملة على أنواع البديع في البسملة، فاستحسنها، وكتب بخطه تقريظاً، وكتب غيره عليها من الإملاء، كالإمام المدقق المحقق العلامة حقي أفندي البرصوي الرومي قدوة المدققين ونخبة العارفين، وكان ذلك حين نزل دمشق، أبقاه الله. ثم بعد مدة سافر المولى المزبور إلى بلاده، كان الله له آمين.
وفيه وردت النيابة للسيد حسن بن السيد عبد الكريم أفندي، والمدرسة العادلية. للشيخ عبد الرحمن المنيني.
وفي آخر شعبان، كنا في بستان المروبص مع جماعة من الأصحاب.
رمضان، ليلة الأحد، ثبت هلال رمضان، وضرب كم مدفع.
وفيه توفي الشيخ بكار الزعبي من أهالي قرية الضفة، ببلاد كنانة، ودفن عند أهله وسلفه، وهم من أرباب الأحوال والكرامات.
شوال، خامسه الجمعة، توفيت زوجة الشمس محمد الكاملي الشافعي، ابنة شيخ الإسلام العيني الشافعي، ودفنت بالباب الصغير.
وفي الخميس التاسع من شوال، طلع المحمل، والأمير عبد الله باشا الكبرلي معه، ومعه أولاده، للحج الشريف، يصحبهم الله بالعافية والسلامة.
يوم الخميس السابع عشر، فيه طلع الحج الحلبي والأعجام، ولم يتخلف أحد.
وفيه صار كسوف ليلة الثلاثاء، قبل طلوع الحج.
وفيه أنشدني بعض الأفاضل لبعض الأدباء القدماء:
هيفاء رنّحها الدّلال فأخجلت ... هيف القصور بقدّها الميّال
في خدّها الورد الجنيّ، وثغرها ... يحوي لذيذ الشّهد والجريال
حجبت محيّاها البديع ببرقعٍ ... كرقيق غيمٍ فوق بدر كمال
وفي يوم الجمعة الخامس والعشرين من شوال بكرة النهار، نزل المطر الوسمي.
وفيه أخبرني الشيخ الإمام الحافظ المحدث الشمس محمد بن الشيخ علي الكاملي، الفقيه الشافعي، بواقعة وقعت له سنة حجه تدل على كرامة الولي بعد الموت، يكرمه الله بها إكراماً وشأناً له. فقال: ركبت جواداً عند وادي الوفا في طريق الحج، وكنت في الساقة، وتأخرت كثيراً حتى فرغ الحج، ولم يبق أحد، فرأيت جملاً باركاً بحمله، عرفته لرجل تاجر منا في الخيمة، فوقعت عليه، ولي في ذلك الجمل وداعة، فانتظرت أحداً يمر لم يمر، وفات الحج كثيراً، وكل من يمر يقول، إلحق الحج، وأنا واقف. فطرقني خوف فنهرت الجمل وضربته بعصاة كانت معي، وكل من مر يعجز فيذهب ويخليني أنا وإياه. فتوجهت ناحية الشرق أستنجد بالشيخ عبد القادر الكيلاني وقلت البيتين:
أأظمى وأنت العدل في كلّ منهلٍ ... وأُظلم في الدّنيا وأنت نصيري
فعارٌ على راعي الحما، وهو في الحما ... إذا ضاع في البيدا عقال بعيري
قال: فما استتمت الأبيات وإلا بعبد أسود راجل من ناحية الشرق، فقال الجمل بارك، كم تعطيني وأنا أمشيه؟ فقلت له: قل أنت قال، غرش ونصف، قلت بل قرشين. قال: امسك الرسن، وأنا على الفرس كنت، فأمسكته فنخره فقام في الحال، وبقي العبد يسوقه إلى أن وصلنا للخيام، وأنا أنظر إليه خلف الجمل لأجل الكرا، فلما وصلنا للخيام برك الجمل، فنظرت خلف الجمل فلم أر العبد، فما وقفت ساعةً إلا وصاحبه يلطم بحجرين، فقلت له، لا تخاف، هذا جملك، فنزلنا عنه الحمل، وحملنا الحمل على جمل غيره وتركناه، وألزمنا بضيافة تكون في زاوية الشيخ عبد القادر الكيلاني بالمدينة، كذا حكى لي، انتهى.