وفي يوم سادس عشرين رجب، ذهبت وبعض أصحاب إلى بستان قبلي الجسر الأبيض، بيد أبي يوسف الشهير بابن الأصفر من أهالي الصالحية، وفيه استحقاق لبني الشويكي القضاة ولغيرهم، فجاء رجل اختيار، وضيء الوجه، مستوي القامة، عليه سيماء الصلاح، فسلم وجلس في جانب من المجلس، فكان يتكلم بكلام منتظم مع السكينة والوقار. فسألناه ماذا بلغ من العمر فرأيناه بلغ الماية والعشرين، فعجبنا من حسن كلامه المنتظم، ونضارة وجهه المبتسم، لأنه كان يتكلم بكلام منتظم جداً، موقعاً تحت كل كلمة درة، وكل قطرة من لفظه تحتها تنمو ألف برة. وكان مع هذا السن مستوي القامة لا حدب فيه ويتكلم بالميزان، ويحزن من الخطأ أن يعتريه، ويتوارى في كلامه عن الخلط والذم والشتم والسب والسفه، أو شكاية الزمان، كما عليه اختيارية هذا الأوان.
ورأيته مع الكلام كالمستحضر في نفسه شيئاً من ذكر خفي، لا يشعر به إلا مع حالة انجلت لعارف بمقامات الكمال، فإن تكلمنا كلمنا، وإن سكتنا سكت مستمعاً، لا معرضاً ومغضياً، حال كونه حافظاً الأخبار، ويتكلم عليها لكن بوجه الاختصار، ثم لما انصرفنا طلبنا منه الدعا، فأوجز بدعوة أبلغ وأكفى، وأحسن فيها ووفى.
شعبان، وأوله الثلاثاء، في يوم الأحد السادس، فيه أول فرح صاحبنا الأعز يحيى آغا بن صادق آغا الناشفي، ومدته ثلاثة أيام، وتكلف والده كلفةً بادخةً.
الأربعاء يوم سابع عشر الشهر، توفي يوسف باشا طبل بالصالحية بقاعة حسين أفندي ابن قرنق. وكان متمرضاً، وصلي عليه العصر بالسليمية، ودفن بتربة بني الزكي لصيق ابن العربي قدس سره، وصلى عليه مولانا الشيخ عبد الغني.
وفي يوم الجمعة العصر، صلي على قاضي الشام أمين أفندي دربا زاده، وكان فيه بعض تمرض من حين دخوله، ودفن قرب بلال، وبينه وبين الباشا عشرة أيام، فيكون يوم السابع والعشرين، وفي ذلك قال صاحبنا الأعز الأوحد محمد جلبي الكنجي مؤرخاً فيه وفاة القاضي، قوله:
صدع الله زماناً صدعا ... وبأغلى النّاس فينا فجعا
كان قاضينا، ووالينا به ... في سرورٍ بالتّهاني جمعا
بدّددت أيدي النّوى، شملهما ... ووعت حتّى أجابا للدعا
نقصت فرداً وفي تاريخه: ... مات قاضي الشّام والوالي معا
وفيه دخل من الحج الرومي خلق كثير، ونزلوا نواحي جامع الورد.
وبعد، الكفالة والإمرية، لم تتوجه لأحد، وأولاد القاضي ونوابه لا يعلم، هل يرسل لهم في استكمال المدة، والله يدبر الأمور.
وفيه بلغ خبر من الروم بأن عسكر السلطان مترجح وأنهم أخذوا قلعةً للنصارى.
شهر رمضان، أوله الأربعاء على الثبوت، وفيه خرج نجم أضاء منه ما بين المشرق والمغرب.
وفي يوم الجمعة بعد الصلاة، توفي الشيخ منصور الحبال مدرس العجمية، وكان أديباً ناظماً فقيهاً. وقبل موته أهين بسبب المدرسة العجمية وحبس عند المفتي، ولم يدرس بها قط، وربما يتردد إليها من غير فائدة، فيقف عندها حصة يشرف عليها.
وهي في آخر سوق السنانية مقابل مرقص السودان، وهي حسنة ذات عمارة مزخرفة بواجهات حسنة بالبلاط الملون المنقش، وفيها بركة ماء ببحرة عالية، وأرض المدرسة كلها مبلطة بألوان الملاط من الأبيض والأبلق والرخام، ولها شبابيك من حديد، ولها إمام يصلي بها الأوقات إلى الآن، وذكرها المؤرخ النعيمي في الدارس.
وفيه بلغ خبر أن الوزير استشهد في الوقعة، وقتل معه خلق كثير، من لغم كان النصارى هيؤوه لهم، ولم ينبههم أحد عليه، ولا قوة إلا بالله.
شوال، أوله الجمعة، سادسه الخميس، دخل إبراهيم باشا كافلاً بدمشق، وصلى يوم الجمعة بالجامع، وكان بموكب، وهو مأمور بالحج.
السبت، يوم التاسع، فيه صلي حاضرةً على السيد مصطفى آغا القطيفاني متولي السنانية، وصلي عليه بها، ودفن بالباب الصغير، وكان خرج لملاقاة الباشا، فجاء محملاً.