ثم شرع في قتال أهالي البلقاء وكسرهم بنفسه ورأوا منه العجايب. ثم ركب على الدروز إلى أن استأصلهم، وجاء منهم بشيء كثير، واستولى على دير القمر ونهب سرايا الأمير وأخذ ما فيها، وأخذ حريمهم وسبى نساءهم، وجابوا السكمان منهم للشام راكبين خلفهم، ثم بعد ذهابه عنهم رجعوا. ثم ركب عليهم ثانياً فلم يقاتل وأخذ منهم مالاً.
ثم قاتل أهل عرابة وسبى نساءهم. وخربها وقتل رجالها، وجاء ومعه نحو ألف امرأة من سبي عرابة، عاد استفكهم ابن سلامة بمال وردهم.
وأخذ قلعة قلعة الكرك. وحاصروهم نحو أربعين يوماً لم يقدر عليها بشيء، فعمل لغماً فسلم الرجال نفوسهم وخرج النساء والبنات والرجال وأمنهم ونزلوا عنده في الخيام.
فأمر بقتل الرجال فقتلوا عن آخرهم، وأبقوا النساء والبنات، وسلم لجماعته من غلا منهم، وأُبيع منهم في دمشق، واستفك ناس منهم بمال.
وتقدم أنه أراد أن يحرق القمامة لما ذهب للقدس من أجل الأسرى أهالي مالطة، فأرضوه بمال نحو الماية كيس.
ثم أخذ في تعلق الأحكام والحجج فيكتبه من عقله، فأخذ غالب حجج الديون وأبطلها، ويقول كلها ربا. فصار الفلاح وأهل القرى يخوفون فيه، ويأخذوا الحجج من أهلها ويأكلوا المال الذي عليهم. حتى إن بعضهم كان له دين بحجة فيها نحو ثلاثة آلاف رمى بها لهم، وأرسل كتب بينهم وبينه حجة إبراء في المحكمة الجوزية.
وكان لا يمسك كلام أحد ممن قل أو جل، ثم صار يضبط جميع تركات الأروام من مال وأسباب، ممن توفي في دمشق وإن كان لهم ورثة، ثم يفعل ذلك في طريق الحج ولو معهم ورثة، فيودعهم الحبس ويدعي أن جميع تلك الأموال للميت، فيستدينوا مال ذلك الحجي ويرضوه فوق ماله مرات حتى يطلقهم من الحبس.
ومكث ثلاث سنين يعامل العرب ويكرمهم بنفسه، وكان السلطان يعتبر شؤونه وأموره، لما أصلحه في طريق الحج، بعد ما كان يحصل فيه من القتل والنهب من العرب. وتقدم أنه كان في زمن حسن باشا أخذوا العرب الحج جميعه عند أبيار الغنم، في نحو خمس درج، ولم يبقوا شيئاً وأخذوا المحمل والصنجق وشلحوا الباشا وهرب بعده، ولما وصل للعلا، لم يوجد له فرعاً ولا ما يستظل به. وتقدم.
ثم شاعت أوصافه في معارضة الحكام وإبطال الحجج الشرعية وأخذ تركات الموتى، مما كان يفعله في دمشق وطريق الحج، وكثرت فيه الشكاوى إلى السلطان من الحجاج، فلم يشك فيه بشكوى أحد، فعاد قام الأروام على السلطان من أهل إسلام بول من أجله ونووا خلعه، ودخل عليهم قاضي عسكر الذي صار شيخ الإسلام، وهو محمود أفندي، وأخبره بقيام الأروام وأن مرادهم الخلع ما لم يقتل ناصيف باشا، فأرسل خطاً شريفاً في قتله، وعين عليه عسكراً كثيفاً يلاقوا له قبل دخول دمشق.
فتوجهوا إليه بتلك العساكر الجرارة فأدركوه في شقحب، فرجعوا إليه إلى عند القدم لكن خشوا أمر الحج لنه في تل شقحب تحصن فيها، فخافوا عليه. فارسل يوسف باشا طبل بأنك تهرب وتذهب حيث شئت وتطلق حج المسلمين، فإن وجدناك قتلناك، وإن لم نجدك تقول هرب ولم نقع فيه.
فأذن بالحج وأخذ الأساكل كلها. ثم لما ضبطوا موجوده عند شقحب، وكان خرق خياماً وأمتعة كثيرةً لأجل النكاية توجهوا خلفه، فلما رأى العسكر من بعيد عرج عن الطريق إلى غابة القلنسوة، فلحقه قبل وصول العسكر رجل من شجعان الأكراد، وكان لما رأوا أولاد خزنته العساكر متوجهة إليه، تفرقوا عنه وهرب نحو الغابة، فأدركه فعوقه الأرمان، وكان الأرمان سبب حتفه، فضربه فرماه عن فرسه، ثم احتز رأسه فما وصل العسكر إلا كان قتل، فجاؤوا بالرأس إلى حضرة الباشاوات فوضعوه وسلخوه ومرادهم يرسلوه للأورام. وذلك يوم الأربعاء سادس صفر، فيكون أوله الجمعة.