وسلطان الممالك الرومية وبعض العربية والعجمية السلطان أحمد بن عثمان، والكافل بدمشق حسين باشا الأشقر، وقاضي الشام مستقيم أفندي، والمفتي أبو الصفا بن الشيخ أيوب، وأمير الحج محمد باشا ابن بيرم، والعلماء والدولة والمدرسون على حالهم.
وفي عاشر محرم الحرام، توجه حسين باشا لملاقات الحج الشريف مع الجردة، ومرادهم يصلوا إلى أبيار الغنم قبلي العلا، وفي العود يكون الركوب من هناك على كليب.
فقيل، لما وصلوا إلى المنزل المذكور، ونزل الباشا في الوطاق، ورد الأمير ابن بيرم، وسلم على الباشا الكافل حالاً، فلم يكرمه فحصل لابن بيرم غيظ شديد. وكان الباشا المذكور حليماً فاضلاً خطاطاً ثقيل الرأس ورعاً، يدل حاله على فضله وعلمه.
فحصل منه قلة إكرام وقصر في واجبه كثيراً. وكان عليه أن يرحب به، إكراماً له عليه السلام، لأنه وارد من تلك الأماكن المشرفة، ومعفر بتلك الأتربة المفضلة المنوفة، وثانياً، إنه معزول عن دمشق، لأنه تولى كفالتها قبله.
فلما وصلوا إلى المزيريب، نزل حسين باشا بوطاقه، والينكجرية والزعماء والفلاحين والدروز ومن سائر البلاد لقتال كليب، وكان ابن بيرم عرض سابقاً في بعض أمور بغرضه، وذكر الهيئة السابقة وأسندها لكليب، وكان دبيس العلاوي يجيء ويروح إلى عند ابن بيرم، وحسين باشا معه طاهر بن رسلان بن رباح.
وأما كليب فمعه من العرب ما لا يعلمه إلا الله، حتى قيل تبلغ نحو العشرين ألفاً، وقيل كان عرضه وخيامه وعربه التي نزلت عليه ثلاثة أيام، ومن أرباب الدروع والمقنعين نحو سبعماية فارس.
وكان أمير الحج دخل يوم الأربعاء ثاني عشر صفر، والمحمل يوم الخميس، وأرسل يطلب بقية الزعماء والينكجرية، وأرسل إلى أمير الجردة في هذه السنة أي سنة سبع عشرة وماية وألف، حسن باشا بن القواس، وكان بقرية شقحب ومعه نحو العشرين بيرقاً معيناً على كليب، وكان بينه وبين كليب مؤاخاة، فلم يحضر لقتاله، وبقي مكانه، وكان حلف لكليب بالطلاق أنه لا يركب مع العسكر لقتاله. ثم إن كليب صار كل يوم يقرب إلى جهة العسكر ويرسل عرضاً يناشدهم ويقول: احقنوا دماء المسلمين، والباشا يقول: حطوه في قفص الحديد، وكله من جهله بحال العرب، ولم يتحرك من خيامه، والدولة في دمشق طلبوا منه الصلح لكليب ويعطيه مال وجمال، فلم يرض، وكان العسكر مع الباشا نحو عشرة آلاف.
ثم إن كليب أرسل عرضاً للقاضي بالشام، والأكابر، بإصلاح تلك القضية، فلم يردوا له جواباً ولم يسمعوه من جهتهم خطاباً، وفي مضمونه: أن قتالي إن كان على وجه شرعي نسلم، وإلا، فالوجه العدواني، أقاتلهم وأنهبهم، بينوا لي، أنتم علماء ومفتية، أو ترجعوه، وتحقنوا الدماء وتصلحوها ولكم ما تريدوا، وللسلطنة هيأنا خيلاً ملاحاً لنرسلها للسلطنة، ونرضي خاطر الكل والباشا وغيره، وعرض ذلك للباشا من طرف علماء الشام والقاضي، فلم يرض الباشا بحال وتحير، فتارةً يطلب رأسه، وتارةً مالاً، وفي المثل: خيره تحيره.