يوميات شاميه (صفحة 24)

وفيه بلغ خبر، بأن الباشا ابن بيرم الهارب من دمشق، اشتكى للدولة على أهل دمشق وأنهم نهبوه، وأنهم عصاة، ثم إنهم عرضوا في ابن بيرم يشكوا منه، ويحكوا أحواله وعتوه، وكان محل العرض يوم خروجه من دمشق.

الإفراج عن ابن أكري بوز

وفيه أفرج عن ابن أكري بوز أحمد آغا التذكرجي من قلعة تبوك، ووصل في أواخر شعبان. وهذا أحمد آغا له تقيد في الطلب، وخبرة بالنحو والشعر وقراءة التصوف، قرأ في الفتوحات المكية على الشيخ عبد الغني وخدمه كثيراً، وله شعر، ومن شعره مضمناً قوله:

رماني سمهريّ القدّ بالفتك مولعٌ ... يصول ولا يخشى من اللّوم والعتب

يهدّدني طوراً بسهم لحاظه ... ويقصد أحياناً فؤادي بالعضب

فلم أدر أيّاً قاتلي غير أنّني ... سمعت بأذني رنّة السّهم في قلبي

وقوله في قصيدة ...

شرح الشاهدي شرحاً أجاد فيه، بالعربي، وأتقن فيه كل الإتقان، وفيه منقولات حسنة عن أهل اللغة، وترجمه المحبي في الذيل.

دخول أصلان باشا ووفاته

وفي يوم الاثنين، يوم الثلاثين من شعبان في سنة 1115 المذكورة، دخل باشة الشام أصلان باشا، ومعه نحو الثمانين بيرقاً، من ناحية السنانية بالتخت، متمرضاً أيضاً.

وفي يوم الجمعة ثمان عشرة في رمضان، وأوله الثلاثاء، توفي أصلان باشا، باشة الشام، وذلك عند العصر في اليوم المذكور، وصلي عليه بالسنانية، ودفن قرب بلال رضي الله عنه. فيكون مدة مكثه تسعة عشر يوماً، وخرجت الأخبار بموته للروم، ورثاه مولانا الشيخ عبد الغني مؤرخاً:

النابلسي يرثيه:

يا بني الدّنيا قفوا واعتبروا ... بوزيرٍ أمس في المنصب كان

ملك الأموال والجاه وما ... ناله منها سوى هذا المكان

فعليه رحمه الله وقد ... حلّ في أعلا فراديس الجنان

في أمان الله قل تاريخه: ... مات أصلان شهيداً في أمان

أحمد الأسطواني

وفي يوم الثلاثاء، سادس شوال سنة 1115، توفي أحمد جلبي الأسطواني، الباش كاتب بمحكمة الباب، وتمرض ثلاثة أيام بالدم، وصلي عليه بالجامع الأموي، ودفن بباب الفراديس. وكان ماهراً في التوريق، منشئاً بديع الخط والظرف، وكان له حسن هيئة ولين جانب وأخلاق حسنة.

وفيه بلغ مجيء ابن بيرم إلى نواحي حمص، ويريد المجيء للشام، ومعه أولاد سيدي عبد القادر الكيلاني الكائنين بحماه.

الشيخ عثمان القطان

وفي يوم الأحد حادي عشر شوال توفي شيخنا الإمام العلامة المحقق المدقق الفهامة الشيخ عثمان الشهير بالقطان، كان علامة وقته في العلوم العقلية والفنون النقلية. قرأت عليه بالجامع بكرة النهار ملا جلال الدين الدواني، وحضرته في إقراء شرح جمع الجوامع للمحلي بقراءة بعض الأفاضل، ولازمته مدةً بالجامع عند محراب الحنابلة بالمعزبة التي فيها باب المأذنة الغربية، وعليه وظائف، وعليه إعادة تدريس التكية. ولما جاء أحمد باشا الكبرلي ابن الوزير الأعظم، وكان في العلم على جانب عظيم، لم يعجبه غيره.

وحصل له محنة في آخر عمره من أجل العفو، حين جلوس السلطان مصطفى، واجتمع هو والسيد عبد الكريم النقيب في تنفيذه، ولا يعطي الباشا شيئاً من الذي كان يؤخذ، فهددهم وأرسل نفاهم وذلك بعد أن عرض فيهم إلى ترابلس إلى قبرص فتلقاهم أصلان باشا، باشة ترابلس، ومكثوا مدةً هناك إلى حين سفر الباشا الأسبق إلى بلاد النصارى. والقصة مشهورة، وذلك في سنة سبع وماية وألف في رمضان. وكان المفتي بدمشق علي أفندي العمادي، والخطيب شيخنا أبو الفداء إسماعيل ابن الحايك، والقاضي سليمان أفندي الرومي. ولما قام الباشا على النقيب لم يقم معه أحد، فطمع فيه، فأرسله من السرايا، وفي ثاني ليلة ذلك، أركب الشيخ عثمان فرساً من التكية إلى ترابلس أيضاً، ولا قوة إلا بالله.

ثم إن أفاضل دمشق ارسلوا لموالينا القصائد الطنانة في مدحهم، والتأسف على فراقهم بما لا يخفى. ونظمت في ذلك قصيدةً لأُرسلها له، فورد، فلم أحتج لذلك والحمد لله، وإلى الآن لم أعلمه بها خوفاً من تذكر ذلك، ولكن ذهبت أنا وبعض أصحاب للسلام عليه، وكذلك على السيد عبد الكريم أفندي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015