وفي يوم السبت ثالث عشرين جمادى الثاني من هذه السنة سنة 1115، خرج الباشا من ناحية زقاق المرجة من دمشق، قبل الظهر، بعساكر كثيرة، وذلك بسبب أنه عزل. ولم يعط أرباب الأصناف، وأظهر المتسلم الجديد خطاً، بأنه مطلوب رأسه، ولم يكن له حقيقة، فقوى عليه الوهم، فخرج على حين غفلة وتعلى في الجبل، وأرسل ثقله من على برج الروس، وكانت البلد مسكرةً إلا ما قل، وقامت عليه الرعية والينكجرية والزعماء قومةً واحدةً ونهبوا منه بعض شيء ولحقه بعض الأصناف إلى حمص لأجل المال الذي عنده.
وفي يوم الخميس، ثامن عشرين جمادى الثانية، دخل مصطفى أفندي تفسيري زاده، قاضي الشام، وخرجت للقائه القضاة والكتاب ونواب النواحي وبعض المدرسين. وقيل وجه لابن بيرم الأُرفا.
وفيه صح خبر مقتل شيخ الإسلام، من المتسلم الجديد، وأنهم أعطوه لليهود والنصارى والفساق، وبغوا فيه، وهذا لم يعهد من ملوك بني عثمان.
وبلغ خبر عن الشيخ عبد الرحيم بن العفصة، بالعين المهملة والفاء والصاد المهملة، راح في هذه الفتنة، أي فتنة شيخ الإسلام، وكان شاباً لا بأس به، ويعظ في رمضان بالكرسي في جامع الأموي: " وما تدري نفسٌ بأي أرضٍ تموت ".
ثم أخبر المتسلم، أن السلطان مصطفى خلع نفسه، وأودع السلطان في الحبس القديم. اللهم إنا نعوذ بك من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، ونعوذ بك اللهم من الهم والحزن، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.
وفي يوم الأربعاء، في عشرين جمادى الثانية، توفي الشيخ الصالح الفقيه الشيخ محمد المزين الحنفي، الخطيب بجامع باب شرقي عند حارة الملاح، كان سيداً فاضلاً قادري الطريقة كثير العبادة، كثير الزيارة للصالحين الأحياء والأموات، وصلي عليه بالأموي، ودفن بتربة الشيخ أرسلان قدس الله سره.
وفي ليلة الأربعاء، دخل باشة الشام، مصطفى باشا العشي بالمنزل، بعد العشاء بساعتين، وهو متمرض بالتخت، ولم يقف لأحد إلا يسيراً، وذلك في رابع عشرين رجب من السنة 1115، وقيل إنه كان آغة القبي قول بإسلام بول، ودخل إلى عنده الأمراء والآغاوات والأكابر للسلام عليه.
وفي رجب المذكور، ورد قبجي من الروم من على الصالحية، ونزل دار صادق آغا بن أحمد آغا الناشفي، أبقاه الله تعالى، قيل إن القبجي معه خلعة لشريف مكة، واستقرار لباشة مصر المحروسة، وقيل مبعوث إلى أهل مصر في راسه، ولم يتحقق، وقيل هذا الذي تولى قتلة شيخ الإسلام، ولعل الكلام على عكس ذلك، أنه كان من جهة شيخ الإسلام ولكن أرسل، لكن على وجه السركنة، لأن الذي تولى قتلة شيخ الإسلام يكون أعز شيء عندهم، كيف يفارقوه؟ وكلام العوام كثير، كالبحر الزاخر، لا أول له ولا آخر.
وكان لهذا الآغا خادم جميل من خدامه، هرب واختفة. ومكث ثلاثة أيام لا أكثر، متوجهاً إلى مصر، وقيل إنه من زربا الروم، له شدة بأس.
وفي يوم الاثنين. ثالث عشرين شعبان، ورد مولانا أحمد أفندي العكري، من أعيان دمشق، وهو قاضي مكة المشرفة، ولاقا له الأكابر والأعيان، وأعيان دولة دمشق. ومر على السرايا على سوق الأروام، إلى داره، غربي البيمارستان النوري، بينهما الطريق. وله نحو العشر سنين، واتخذ داراً بإسلام بول وتسرى بجوار، وولد له، جاء بهم إلى الشام، وخرج لتلقيه قاضي الشام مصطفى أفندي.
وفيه ورد تدريس السليمية بالصالحية لمولانا الشيخ عبد الغني، حفظه الله تعالى.
وفي تاريخه، عزل باشة الشام مصطفى باشا بأصلان باشا اللادقي، وأعطي جميع صنجقيات دمشق، مثل بعلبك وحمص وصفد وغيرها، وأبقوا ترابلس عليه، وهذه ثاني تولية وثالث إمرية.
وفيه بلغ خبر وفاة الفاضل الشيخ يوسف بن محب الله الشهير بابن سربوغ الصالحي، اشتغل في الطلب مدةً، وقرأ في أنواع العلوم بدمشق على أفاضلها حتى برع، ثم توجه إلى الروم، وسلك هناك سلوكاً حسناً. ولكن لما قتل شيخ الإسلام راح أناس تحت الأرجل من الزحام، ومن قيام هذه الفتنة، كانوا الناس يقتلوا بعضهم بعضاً، ولا قوة إلا بالله، وربما كل من كان يتردد عليه.