ثم وردت الأخبار بحصول فتنة عظيمة بإسلام بول من العسكر والرعية، لكون أن شيخ الإسلام أشار على السلطان مصطفى، بقطع علايف القول ممن لا يصلح للسفر لصغره أو كبره، ومن أجل أن شيخ الإسلام جعل مالاً للنصارى ومكنهم من عمارة قلعة شمالي إسلام بول، ومن كونه شاع عنه الرفض، فقام القول والرعية على السلطان، وأن يسلمهم شيخ الإسلام، فهربا إلى محروسة أدرنه.
وكان النصارى طلبوا المال، فضاق الحال، فعمل شيخ الإسلام الحيلة في قطع العلايف. كذلك ولعدم السفر، واستيلائه على مناصب المملكة: فالوزير صهره، وقاضي استنبول ابنه، والآخر قاضي مكة، وقاضي العسكر والنقيب وقائم مقام من أقاربه، ويعزل من شاء، ويركب من شاء. فقامت عليه الرعية والدولة، وهم ثمانون ألفاً ومعهم جميع أهل إسلام بول، فخيموا الخيام ليركبوا على أدرنة بعساكر وأجناد لا تحصى مع التوابع من الرعية، فقالوا للسلطان: لو علمنا أن علينا للنصارى جوالي ما تركنا القتال. فقال هم: ما المراد؟ فقالوا شيخ الإسلام وكانوا قتلوا من أولاده ومن جماعته بإسلام بول، حين المواجهة بأدرنة مع أهالي استنبول فقيل: ما المراد؟ قالوا العزل أو تسليم شيخ الإسلام.
وحصل بسبب شيخ الإسلام اختلال وطمع بالغ فيما وضب لهم من المال والإذن لهم بعمارة قلعة وغير ذلك من الاستيلاء على أكثر المناصب، فإن القائم مقام، والوزير، وقاضي العسكرين، وقاضي إسلام بول، كلهم أصهاره وأقاربه.
والحاصل في هذه الفتنة، نسوا أمر الحج الشريف ولم يرسلوا جواباً لمن تعين ووصل إلى دمشق من العسكر والباشات لتلك الشغلة. فعاد يوسف باشا سافر إلى حلب، ومعه الزعماء رجعوا أيضاً لأنهم أرسلوا كم عرض ولم يأت الجواب. فسافر يوم الجمعة شروق الشمس، وكان خرج قبله بيوم زعماء حلب، وأما محمد باشا فعلى حاله، وذلك في أواسط ربيع من السنة المذكورة.
ومما وقع في تاريخه، أن امرأةً دخلت بعرض حال على محمد باشا ابن بيرم، محصله، أن زوجها محبوس على خمسماية غرش، فأمر بإخراجه وأرسل إلى غريمه وأوقفهما، فقال للرجل الداين: لم حبسته؟ قال إن لي عليه ديناً بموجب حجة، فأخذ الحجة منه فنظر فيها وأطال التأمل، ثم قال للمحبوس: أعطه دراهمه، فقال: أنا فقير ولا أقدر على الوفاء، وهذا الباقي علي من مال الفائدة لا من أصل الدراهم، فقال للغريم: ما تسمح له بشيء، فأبى، فقال أنا أعطيك مائتي غرشاً، وإنه لم يبق له عنده شيء، لأنه جعله صلحاً على تلك الخمسمائة فتناول الحجة وذهب واقتضى المديون، وذهبت المرأة وزوجها. فبعد ثلاثة أيام أرسل الباشا بخلف الغريم المداين وقال له: أنت تدين بالفائدة فأعطني كيساً، فأبى، فقال: أُعطيك رهناً فأبى، فأخرج له رهناً إبلاً نحو المائة وقال خذها إلى أن أُعطيك الدراهم فأبى، فأودعه الحبس بالقيد ثم أطلقه على كيس فأتى له بها حتى أطلقه، وله ماجريات كثيرة.
ومما حكي أن أهل حرستا، كان عليهم اثنى عشر كيساً لرجل يقال له حسن جاويش من أهالي قلعة دمشق، فشكوا إليه حالهم، وأنها وصلته ما عدا ستة أكياس، ولم يقدروا على وفائها، والحجج باقية معه لم يعط ما وصل منها، فأرسل وراءه وأودعه الحبس، وأخذ أرسل الحجج وأبطلها، وطلب منه المال الذي أخذه من الفلاحين، فخرج تحت كم كيس، وخلص أهل حرستا من دينه، وكانوا زمناً طويلاً عجزوا حتى صارت تكبر وتزيد عليهم، ثم خلص أهل القرية بحجة شرعية برضا حاطره وإبراءً من عند القاضي، ووزن صاحب المال للباشا مالاً كثيراً.