وكان من الفضل والعلم على جانب عظيم. له اجتهاد كلي، وكان يعمل درس الحديث في الثلاثة أشهر بالجامع، وقرأ بدمشق على أفاضلها مدةً مديدةً، وله فهم ثاقب لا يفتر عن المطالعة ولا لحظة، وهو من ذوي المال والثروة، وربما إنه كان في سن الثلاثين، وتوفي المذكور بعد حسين آغا كتخدا شيخ الإسلام، وبعد المفتي الحنبلي الشيخ أحمد بن السبحان. وكل من هؤلاء، ممن اعتصب على الشيخ محمد بن مفتي الشافعية البهائي الشافعي، وكان له سنة في حبس دمشق، وتوفوا الثلاثة في السنة التي حبسوه فيها، فأُخرج بالضرورة، لأنهم توفوا في أواخرها. والبغي مصرع مبتغيه وخيم.
فقد ورد في الحديث عنه عليه السلام فيما رواه حميد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أوصى عليه السلام رجلاً بثلاث خصال، فقال له: أكثر من ذكر الموت ليشغلك عما سواه، وعليك بالشكر فإنه زيادة في العمر والرزق، وعليك بالدعاء فإنك لا تدري ما يستجاب لك. وأنهاك عن ثلاثة: لا تنقض عهداً، ولا تسعى على نقضه ولا تستمر على معصية، وإياك والبغي، فإنه من بغي عليه لينصرنه الله، وإياك والمكر فإنه لا يحيق المكر السيء إلا بأهله. ذكره الأردبيلي في تفسيره.
ولا زال مضيقاً على المزبور إلى أن قيل: القول قول شيخ الإسلام وأولاده وأحفاده في سائر بلاد بني عثمان، وهذا راجع، وبه أُخرج كما ستأتي قصة قتله، فله نحو السنة وأشهر بالقلعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
شوال في أوائله سافر للحج الشريف محمد باشا بن بيرم، وخرج المحمل والحج وكتب عسكراً من المغاربة والهنود والروم والأكراد، وجمع جمعاً كبيراً وطيب خاطر كليب وأعطى الصرر بتمامها إلى أربابها، ولم يعارضه معارض حتى رجع، وكان معه من الجمال ثلاثة آلاف جمل.
ذو القعدة، وفيه كثر الوباء والطاعون ولا قوة إلا بالله.
وفي يوم الأربعاء تاسع عشرين ذي الحجة، توفي الشيخ محمد بن الشيخ حسين الأكرمي الحنفي الصالحي، من خدام الشيخ محي الدين بن عربي، وذلك بالطاعون، وكان تزوج جديداً من نحو أربعة أشهر. وصلي عليه بالسليمية ودفن بالسفح قرب إلايجية.
وفي يوم الخميس في اثني عشر من ذي الحجة، توفي الشيخ عبد القادر الصمادي صاحب الطريقة الصمادية القادرية، عن ولد صغير وأخ كبير يقال له السيد صالح. وكان المذكور عهد لولده، فعاد الأكابر وأقاموا مكانه أخاه السيد صالح، وسكن دار أخيه، واستولى على جميع ماله وصلي عليه بالأموي ودفن قرب سيدي بلال، رضي الله عنه.
27 - 5 - 1703م
وسلطان مملكة العرب والروم وبعض العجم مصطفى خان ابن محمد خان ابن عثمان، والباشا بالشام ابن بيرم بالحج الشريف، وقاضي الشام إبراهيم أفندي، والمفتي أبو الصفا أفندي، والمدرسون والدولة بحالهم، وأوله الخميس.
وفي رابعه، يوم الأحد، توفي عمر جلبي الحلبي بالطاعون، من كتاب المحكمة العسكرية، عن وظائف كتبها كلها على ولده عبد الرحمن أفندي الحلبي، ودفن بتربة باب الفراديس.
وفي يوم الجمعة تاسعه، توفي بالصالحية محمد جلبي ابن شاهين، ترجمان المحكمة العربية، وهو من ذرية الحاجب الأمير درويش محمد، صاحب الجامع بالصالحية، قبلي المدرسة العمرية، وصاحب الخانقاه الكاينة فيه، وصلي عليه بالسليمية، ودفن بالسفح أعلى العجمية، عند تربة الحاجب، وقام مقامه ولده إبراهيم جلبي، وكان عاقلاً كاملاً كثير النصت، وهو متولي الجامع المذكور.
وفي حادي عشر الشهر، الثلاثاء، توفي مولانا الشيخ إبراهيم بن الوجيه أيوب الخلوتي، صاحب الطريقة الخلوتية، وشيخ السلطنة العثمانية، وصلي عليه بالأموي، ودفن بتربة الفراديس الشرقية عند والده العارف أيوب، رحمه الله تعالى، وكان صاحب ثروة، وعليه تدريس المدرسة الحافظية قبلي الشبلية، ومدخولها حسن جداً.
وكان حسن الصوت. أخذ طريق الخلوتي عن السيد محمد غازي الحلبي، خليفة إخلاص دده الخلوتي، وأذن لبني أيوب بالخلافة، فجلس الشيخ إبراهيم وبايع، ثم بعد مدد طويلة كبر سنه، وتعب من المداراة وأخذ الخواطر، فأجلس مكانه أخاه الشيخ أبو السعود الخلوتي المبايع لغازي، وبايع وأقام طريقته إلى أن توفي. عفي عنهم آمين.