فباشر المدرسة الجقمقية مولانا أسعد أفندي، والبلخية مولانا محمد أفندي القاري، والظاهرية، مولانا عبد الرحمن أفندي القاري في الدرر والغرر، والكمال الشيخ يونس المصري بالتقوية، وفي السليمانية مدرسها مولانا علي أفندي العمادي، والنورية مدرسها عبد الرحمن أفندي بن أحمد أفندي، مفتي الشام سابقاً، والمفتي الجديد إسماعيل أفندي بالشبلية بالصالحية، وكانت وردت له الفتوى سنة 1108 هـ، وغيرهم في بقية المدارس.
صفر في الخامس عشر فيه، وردت الأخبار بنهبة الحج من الدبيس في الرجعة عند أبيار الغنم، قرب العلا بأربع ساعات، بعد أن طلع طليعة بخمسماية فارس، فطلبوا الصرة، فقال الباشا: لا أعطي، ما عندي إلا السيف.
وكان الباشا لما طلع للحج جيش جيشاً عظيماً، حتى لما دخل مكة ظنوا أنه السلطان، فاغتر في ذلك، فلما أيسوا من أخذ الصرة توجهوا للقتال، فكر العرب على عسكر الباشا وأخذوهم وشلحوا الأزلام وقتلوهم عن آخرهم، ومسكوا الحج، فكان على الجمل الواحد نحو الخمسة من العرب، فصار الحج مأسوراً إلى جهة الدبيس نحو غرب العلا، لا نحو الشام، بالخيام والصواوين والقضاة والكبراء، وأخذوا الحريم الذي في الحج كله، ومن شذ من الحجاج شلحوه أيضاً، أو قتلوه، فهفي أكثر الناس في الأرمان، وماتوا جوعاً وعطشاً، وأُخذ المحمل والصنجق، ووصل للعلا شرذمة قليلة من الناس، وبعض نساء عجايز عراة، ليس عليهم ساترة، وبقي الحج والجمال وأكثر الناس كالعرضى للدبيس، والنساء مأسورات، وغيرهن من الرجال والأولاد، والطفل يرموه، والعجوز يشلحوها، ثم يطلقوها.
وهرب الباشا وحده مشلحاً، جلس تحت شجرة في الأرمان خارج العلا، وألقى على الشجرة ثوباً لأجل الظل.
وأما الدواب، فكانت ترمي نفسها في البير لشدة العطش، وكان الحج تلك السنة كثيراً، لكن حزر على العرب الذين أخذوا الحج وقاتلوه ونهبوه نحو الخمسين ألفاً.
وجمع الدبيس أموال الحج حتى بقيت الأموال كالبيادر، وأحمال التفاريق والدواب والجمال، مما لا يحصيه إلا الله تعالى.
وكان للباشا في العلا بعض ذخاير، فذهب الباشا ماشياً إلى عند الدبيس غربي العلا، لفك المحمل والصنجق وقاضي مكة، صهر شيخ الإسلام بالروم، وشفعوا في تخت له وجملين، ورتبوا صراً لهذا الفكاك.
ثم من كان مع الجمال من المشاة والركاب أرسلوهم بالزلوط، والنساء أخذوهن. فأخذوا يمشون في البادية لا يدركون كيف الطريق، حتى هلك غالبهم. حتى من مر من هناك يرى الأموات من الرجال والنساء أجواقاً أجواقاً موتى.
ولما ذهب حسن باشا إلى عند الدبيس، قام إليه زيدان، ابن أخيه وضربه على وجهه جرحه، فزجره الدبيس، قاتله الله.
ولم يقع أشد من هذه السنة للحج ولا أبلغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله. فرجع المحمل والصنجق وقاضي مكة والكل عراة جلس في التخت عارياً على الدف. ففي ثاني يوم، وصل محمد باشا بن بيرم، فأركب المنقطعين، على كل جمل اثنتين وثلاثة، ووزع أسباب الحجاج والجرداوية على الحجاج، ثم رحلوا بعد هذه المقاساة، فما قطعوا منزلة العلا، إلا توفي قاضي مكة ودفن في الطريق، رحمه الله تعالى.
وكانوا أنزلوه من التخت وعروه، فأخذ يمشي مع كبر سنه إلى أن وصل للعلا، ولعله حصل له من دله على طريق العلا.
وفي يوم الأربعاء ثاني عشرين شهر صفر، ورد الحج الشامي في حال غريبة، كلهم مشاة، حتى السقا باشي، وأمين الصرة، وجماعتهم وغيرهم، لأنه ما فضل عن الدبيس ولا دابة ولا جمل، كله راح، لأنهم أخذوا الحج على نحو خمس درج، فإن الحج كان متوجهاً للشام، صار كله نحو الدبيس بجميع ما فيه، والذي يهرب، يترك أحماله وعياله بعده، ولا يفلت منهم أصلاً، ولو ذهب من أي جهة.
ولم يصل لا تخت ولا محارة ولا جمل ولا دابة إلا ما كان للجردة والباشا في العلا استعير له ماعون منها ليطبخ له شيء، وفيوا على رأسه بعباءة، ووصل فقيراً لا شيء له أصلاً.
وأما التجار فلم يأت معهم الدرهم الفرد، والمقومين لم يبق لهم شيء، ولا ثوب ولا جمل ولا دابة، بل الكل بالزلوط، وما وصل إلا من كان عمره طويل، لأنهم يقتلوا ويشلحوا.