إن البشر خلقوا ليكونوا خلفاء عن الله - عز وجل - في الأرض، أو خلفاء على ما رزقهم الله، فإذا علمت أن منطق إنفاق الأموال في الحقيقة ملازم للخلافة، ملازم للإستخلاف، قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} [الحديد:7] إذا علمت ذلك أصبح هناك تلازم بين الإستخلاف وبين الإنفاق، الإنفاق صورة من صور عبادة الاستخلاف في الأرض، فلو أنك طلبت من الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن ينزعها عن البشر فكأنما تقول له خلقتني خليفة، ولكن لا تكلفني بما هو مقتضى أنني خليفة في الأرض، والله تبارك وتعالى يقول: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور:33] فالمال مال الله، ونحن مستخلفون فيه.
ولذلك ننفق بالوحي والشرع الذي شرعه الله عز وجل، والحقيقة هذه المسألة ليست خاصة بإنفاق الأموال فقط، وإنما هي خاصة بكل شيء، حتى أنها خاصة بالقوة أيضًا، فالله تعالى جعل لكل نعمة أنعمها على الإنسان جعل لها ضريبة، أو جعل عليها ضريبة، فالإنسان القوي مثلًا مكلف بالجهاد في سبيل الله، والإنسان الذي لديه جاه وسلطان ووجاهة مكلف بأن يعد بجاهه على من لا جاه له، فيشفع شفاعة حسنة، أو يخدم إنسانًا، أو يقيم الحق .. ينفق من هذا الجاه، ومن كان له فضل مال فلينفق على من لا مال له، أو فليعد به على من لا مال له،