فهلكوا ويؤكد ذَلِك الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله ((هلك المتنطعون)) قَالَهَا ثَلَاثًا (?) وَلَقَد كَانَ الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسير مَعَ أَصْحَابه سيراً واقعياً بَعيدا عَن إِحْدَاث الْمَشَقَّة والحرج مِمَّا يباعد الْمُسلم عَن السَّآمَة والملل.
روى البُخَارِيّ فِي صَحِيحه عَن أبي وَائِل قَالَ: كَانَ عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ يُذَكَّر النَّاس كل خَمِيس، فَقَالَ رجل: يَا أَبَا عبدا لرحمن لَوَدِدْت أَنَّك ذكرتنا كل يَوْم قَالَ أما إِنَّه يَمْنعنِي من ذَلِك أَنِّي أكره أَن أُملكم وَإِنِّي أتخولكم بِالْمَوْعِظَةِ كَمَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَتَخَوَّلنَا بهَا مَخَافَة السَّآمَة علينا. (?) فَهَذَا الْهَدْي النَّبَوِيّ يتناسق مَعَ مَا تَقْتَضِيه سماحة الْإِسْلَام ويسره.
وعندما رأى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَصْحَابه جنوحاً عَن التَّوَسُّط وبعداً عَن السماحة واليسر ردَّهم إِلَى سنته وهديه.
فَعَن أنس بن مَالك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: جَاءَ ثَلَاثَة رَهْط إِلَى بيُوت أَزوَاج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْأَلُون عَن عبَادَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا أخبروا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوها. فَقَالُوا: وَأَيْنَ نَحن من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر. قَالَ أحدهم: أما أَنا فأصلي اللَّيْل أبدا، وَقَالَ آخر: أَنا أَصوم الدَّهْر فَلَا أفطر، وَقَالَ آخر: أَنا أعتزل النِّسَاء فَلَا أَتزوّج أبدا، فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: ((أَنْتُم الَّذين قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أما وَالله إِنِّي لأخشاكم وأتقاكم، وَلَكِنِّي أَصوم وَأفْطر وأصلي وأرقد وأتزوج النِّسَاء فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ مني)) مُتَّفق عَلَيْهِ (?) .