الثَّلَاثَة رَضِي الله عَنْهُم حَيْثُ تَابُوا وأنابوا.. فَهَذَا كَعْب رَضِي الله عَنهُ يلْتَزم الصدْق فِي كل أَقْوَاله فِيمَا يسْتَقْبل من أَيَّامه، وَأَرَادَ أَن يخرج من مَاله صَدَقَة لله وَرَسُوله ثمَّ صَارَت هَذِه الْقِصَّة عِبْرَة تدل على عظم الْمعْصِيَة وخطرها..

قَالَ ابْن حجر رَحمَه الله فِي فَوَائِد الْقِصَّة: وفيهَا عظم أَمر الْمعْصِيَة وَقد نبه الْحسن الْبَصْرِيّ على ذَلِك فِيمَا أخرجه ابْن أبي حَاتِم عَنهُ قَالَ: يَا سُبْحَانَ الله مَا أكل هَؤُلَاءِ مَالا حَرَامًا وَلَا سَفَكُوا دَمًا حَرَامًا وَلَا أفسدوا فِي الأَرْض أَصَابَهُم مَا سَمِعْتُمْ، وَضَاقَتْ عَلَيْهِم الأَرْض بِمَا رَحبَتْ فَكيف بِمن يواقع الْفَوَاحِش والكبائر (?) .

وَهَذِه الْقِصَّة تدل على قُوَّة التربية النَّبَوِيَّة لمجتمع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فها هم رَضِي الله عَنْهُم يتفاعلون مَعَ هَذِه الْقِصَّة فيلتزمون أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَدَمِ الحَدِيث مَعَ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة حَتَّى إِن قريب كَعْب بن مَالك لم يرد السَّلَام عَلَيْهِ وَلم يُجِبه إِلَّا لما ألحَّ عَلَيْهِ بقوله: الله أعلم. ثمَّ لما نزلت تَوْبَة الله على الثَّلَاثَة وَأخْبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بذلك فَرح الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَاسْتَبْشَرُوا وتسابقوا لبشارة الثَّلَاثَة وهنئوهم بِصُورَة رائعة تدل على تراحم الْمُجْتَمع الْمُسلم وتآلفه.

وَلَقَد كَانَ هَذَا التَّأْدِيب والهجر خيرا لهَؤُلَاء أَرَادَهُ الله بهم فَفِي الحَدِيث: ((إِذا أَرَادَ الله بِعَبْد خيرا عجل لَهُ عُقُوبَته فِي الدُّنْيَا وَإِذا أَرَادَ الله بِهِ شرا أمسك عَنهُ عُقُوبَته فَيرد الْقِيَامَة بذنوبه)) (?) وَهَكَذَا كَانَت هَذِه الْقِصَّة عبرا ودروساً يَنْبَغِي أَن يعيها المربون ويستفيدوا مِنْهَا فِي تربية الأجيال.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015