سَمِعت صَوت صارخ أوفى على جبل سلع بِأَعْلَى صَوته يَا كَعْب بن مَالك أبشر فَخَرَرْت سَاجِدا، وَعرفت أَن قد جَاءَ فرج وآذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوْبَة الله علينا حِين صلى صَلَاة الْفجْر … قَالَ كَعْب: فَلَمَّا سلمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَهُوَ يَبْرق وَجهه من السرُور: ((أبشر بِخَير يَوْم مرَّ عَلَيْك مُنْذُ وَلدتك أمك)) ، قَالَ: قلت أَمن عنْدك يارسول الله أم من عِنْد الله؟ قَالَ ((بل من عِنْد الل هـ)) ، وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا سُرَّ استنار وَجهه كَأَنَّهُ قِطْعَة قمر، وَكُنَّا نَعْرِف ذَلِك مِنْهُ. فَلَمَّا جَلَست بَين يَدَيْهِ قلت: يارسول الله إِن من تَوْبَتِي أَن أَنْخَلِع من مَالِي صَدَقَة إِلَى الله وَرسوله، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ((امسك عَلَيْك بعض مَالك فَهُوَ خير لَك)) . قلت: فَإِنِّي أمسك سهمي الَّذِي بِخَيْبَر وَقلت: يارسول الله إِن الله نجاني بِالصّدقِ وَإِن من تَوْبَتِي أَن لَا أُحَدَّث إِلَّا صدقا مَا بقيت، فوَاللَّه مَا أعلم أحدا من الْمُسلمين أبلاه الله فِي صدق الحَدِيث مُنْذُ ذكرت ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أحسن مِمَّا أبلاني مَا تَعَمّدت ـ مُنْذُ ذكرت ذَلِك لرَسُول الله (إِلَى يومي هَذَا كذبا. وَإِنِّي لأرجو الله أَن يحفظني فِيمَا بقيت ـ وَأنزل الله على رَسُوله: {لقد تَابَ الله على النَّبِي ... } الْآيَات أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم (?) هَذِه قصَّة كَعْب بن مَالك رَضِي الله عَنهُ وَقد اجتزأت مِنْهَا الْمَقْصُود، وفيهَا عبر كَثِيرَة وفوائد جمة فَانْظُر كَيفَ اسْتَطَاعَ المربي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يَجْعَل هَؤُلَاءِ الَّذين أخطأوا فِي سجن من غير أَن يسجنهم، فضاقت بهم الأَرْض على سعتها وتعدّى ذَلِك الضّيق إِلَى أنفسهم وَلَيْسَ هَذَا انتقاماً مِنْهُم وَلَا بغضاً وكراهية لَهُم إِنَّمَا تربية وتأديباً من محب وتنفيذ لأوامر الرب سُبْحَانَهُ الَّذِي دبرّ ذَلِك وَأنزل فِيهِ آيَات تتلى وَلذَلِك فرِح صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَشد الْفَرح لما تَابَ الله عَلَيْهِم. وَلَقَد كَانَ لهَذَا الهجر أَثَره على